البحث عن القارئ والتواصل معه هاجس مركزي لدى الأديب، فوجود القارئ يحدد مصير النص الأدبي ويبرر وجوده، بسبب أنه بدون قارئ لا يمكن التكلم عن الأدب. ويسعى الأدباء ضمن هذا الأفق، إلى بذل قصارى جهودهم لإيجاد فضاءات تجمعهم مع القراء، كون الأديب، فاعل اجتماعي يحمل قيما و ينتج معنى، كما يبحث عن الاعتراف الاجتماعي وتأكيد الذات، وبالتالي التمايز والتميز ضمن المجتمع، أي باختصار محاولة امتلاك سلطة رمزية في الفضاءات المختلفة. ولأجل تحقيق هذه المقتضيات يلجأ الأدباء إلى تبني استراتيجيات عدة وهذا من حقهم بل هو من أبجديات حرفة الكتابة. والملاحظ أننا نجد في الجزائر أدباء ينتجون نصوصا ولا يسوقونها، وآخرون يعمدون إلى عدة أساليب تجعلهم يتقاسمون النص مع القراء. ❊ غياب شبه تام للنقد الأدبي وتأتي على رأس هذه الاستراتيجيات، محاولة إقامة شبكات تواصل تمتد من الحلقات الضيقة لتتسع، فتجعل النصوص تنتشر وتحدث صدى ما في مختلف الأوساط الثقافية. ويرى بعض الأدباء أن النص الأدبي الجيد هو من الذي يفرض نفسه ويجعل القارئ يبحث عنه. هذا غير صحيح في ظل ضعف الوسائط الثقافية في بلادنا وغياب شبه تام للنقد الأدبي، لأن النص الأدبي النوعي هو مع ذلك في حاجة ماسة إلى قنوات تسوقه و تجعله متداولا. وتختلف هذه الاستراتيجيات من أديب لآخر، كما تتنوع حسب المواقع الاجتماعية و المهنية التي يحتلها وكما تتميز حسب الفضاءات والمناطق التي يزورها أو يقيم فيها هذا الأديب أو ذاك. فالأديب المقيم بالجزائر والذي لا يسافر إلى الخارج ولا يتردد على المدن والقرى الجزائرية في إطار نشاطات تتعلق بترقية مؤلفاته، تختلف أوضاعه عن الأديب الذي يسافر إلى كل من مدينة بيروت أو مدينة باريس مثلا أو يقيم في إحداهما. يستطيع هذا الأخير بناء شبكة من العلاقات النوعية مع أدباء تلك المدينة كما يمكنه التعامل مع دور نشر عريقة، تملك قدرا معتبرا من المهنية العالية مثل "دار الآداب" بمدينة بيروت و"دار غاليمار" الباريسية. فتجربة الروائية أحلام مستغانمي ولعرج واسيني مع هذه الدارالبيروتية غنية وثرية من حيث التوزيع والشهرة في العالم العربي. مع أن الروائي لعرج واسيني قد استطاع بحكم تنقلاته المتعددة بين المشرق والمغرب وإقامته بمدينة باريس للتدريس، نسج علاقات كثيرة. و قد أضفت على تجربته الترجمة إلى اللغة الفرنسية أو الكتابة بها أبعادا جديدة جعلت منه اسما ثابتا لا يمكن تجاوزه في الحقل الأدبي الجزائري والعربي. كما يلعب التعامل مع القنوات الإعلامية من تلفزة و صحافة مكتوبة ومسموعة دورا لا يستهان به في جعل اسم و أفكار الأديب متداولا بين الجمهور الواسع للقراء. و لنا في ذلك البرامج الأدبية التي تذاع في التلفزة أمثلة قوية، إذ أن برنامج الأدبي "أقواس" الذي كان ينشطه في الثمانينيات الروائي أمين الزاوي قد أضاف لشهرته شهرة أخرى، والأمر نفسه ينطبق على العديد ممن خاضوا في هذا النشاط الثقافي. ❊ الكتابة في الصحف وللكتابة في الصفحات و الملاحق الثقافية بالصحف و إجراء الحوارات بانتظام معها إيجابيات أيضا في جعل صورة الأديب معروفة، قد تحفز القارئ لطلب المزيد من المعرفة حول الأديب ونصوصه وبالتالي الإجابة عن التساؤلات التي قد تتولد عن هذه الممارسات الإعلامية. و للأدباء الجزائريين و من مختلف الأجيال تقاليد عريقة في مجال التعامل مع الصحف و المجلات، و إن قلت هذه المنابر في هذه الفترة، إذ أن القليل، القليل منها من يولي اهتماما خاصا للأدب و للكتاب (فجريدة الوطن وجريدة الجزائر نيوز مثلا تخصصان حيزا واسعا للثقافة). كما يسعى الأدباء إلى الاستفادة من منجزات التكنولوجيات المعاصرة الخاصة بالإعلام والاتصال والشبكات الاجتماعية (فايسبوك والبلوق الشخصي، الخ.) لجعل أعمالهم متداولة. ❊ استمالة القراء الأجانب كما يلجأ بعض الأدباء إلى استمالة القراء الأجانب و بخاصة في فرنسا، إذ يقدمون أنفسهم ضحية لنظام يقمع الحريات، و يمنع كتبهم من التداول مثل بوعلام صنصال، مع أن كتب هذا الأخير موجودة في معظمها بالسوق الجزائرية، و تباع بشكل عادي، و غيره يشكو من عدم الاهتمام بنصوصهم من قبل الباحثين و النقاد و القراء مثل ياسمينة خضراء و أحلام مستغانمي، أو من حرق الكتب مثل أمين الزاوي الذي اختار نمطا معينا من الكتابة تدور حول بعض المسائل المحرمة، و هذا كذلك اختيار استراتيجي في التواصل والكتابة يسهم في التعريف بالأديب. وقد كانت الفترة الدامية التي عرفتها الجزائر في التسعينيات من خلال اغتيال الصحفيين و الأدباء و المفكرين من قبل الجماعات المسلحة، عاملا في دفع الرأي العام الوطني و الدولي للتعاطف مع المثقفين الجزائريين و مؤازرتهم في محنتهم وبالتالي الاهتمام بكل ما يكتبه الجزائريون عن ظاهرة الإرهاب، بل وكل ما يكتب عن الجزائر. وهكذا أصبحت هذه الممارسات العنيفة ضد هذه الفئة من المجتمع الجزائري، مناسبة سانحة للكثير منهم ليتحدثوا عن ما لحقهم من تهديد و تعنيف رمزي وجسدي من قبل الحركة الإسلامية و استعطاف القراء و قد تم ذلك بالاتفاق مع دور النشر التي تشير لهذه الأحداث المؤلمة على الصفحة الأخيرة من الكتاب، ويخص هذا بالدرجة الأولى أولئك الذين أقاموا بفرنسا آنذاك. لا نناقش صحة هذه الإشارات بحكم أن الأدباء مثلهم مثل باقي أفراد المجتمع الجزائري تعرضوا للتهديد الصريح أو الضمني، ومن حق الأدباء الدفاع عن مواقعهم وعن سلامتهم. هذا مجرد وجهة نظر حول بعض ممارسات الأدباء و قد أخذنا نماذج لا غير، القصد منه توجيه الأنظار نحو حقل خصب من الدراسات الاجتماعية للأدب، وكذلك التأكيد على أنه حق الأدباء التواصل مع القراء بكل الوسائل شريطة أن تكون تلك الوسائل مشروعة ومتعارف عليها.