شارك طلبة وأبناء الزاوية البكرية بتمنطيط في المقاومات الشعبية و الثورة التحريرية المجيدة منذ دخول الاستعمار الفرنسي في بداية القرن العشرين و لم تشكل الزاوية البكرية التي تعد واحدة من أقدم زاويا إقليم توات لمؤسسها الشيخ سيدي أحمد ديدي، استثناء عن النهج الذي سلكته مختلف الزاويا بالمنطقة مما جعلها تحظى بمكانة روحية و قدسية في أوساط المجتمع المحلي بل وحتى في أوساط القبائل والقوافل التي كانت تعبر إلى الصحراء الإفريقية. وذاع صيت الزاوية في أصقاع الساحل الإفريقي وبلدان المغرب العربي منذ تأسيسها في القرن الخامس عشر ميلادي وكانت منبعا لنشر قيم التعايش بين مختلف الثقافات، وأيضا مقصدا في التقاضي لحل النزاعات ومعرفة أحكام الشريعة الإسلامية في مختلف المعاملات مما ساهم تعزيز الاستقرار بالمنطقة و تكريس التعايش بين أفراد المجتمع. قدمت الزاوية البكرية العديد من الشهداء و المجاهدين في العديد من المعارك من أجل تحرير الجزائر حيث صرح الشيخ عبد الله بكراوي للجمهورية قائلا : " زاوية سيدي البكري تأسست في سنة 1117 ه من قبل سيدي محمد البكري عبد الكريم وأشرف عليها فيما بعد عدة علماء و أحفاد هذا العالم الجليل إلى غاية ولوج المستعمر الفرنسي إلى منطقة توات في نهاية القرن التاسع عشر، حيث واجه الأهالي و شيوخ الزاويا و علمائها هذا العدوان بالجهاد في سبيل الله . شارك الشيخ سيدي البكري المشرف على الزاوية آنذاك وهو أحد المجاهدين الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي في مقاومة الدغامشة التي قادها الشهيد مولاي عبد الله بن مولاي العباس الرقاني في 5 جانفي 1900م، فبعد دخول المستعمر الفرنسي إلى منطقة توات بالجنوب الغربي الجزائري في نهاية سنة 1899م، هب سكان المنطقة من مختلف أطيافهم للمقاومة وسجلت لنا المصادر التاريخية الكثير من المقاومين والشهداء الذين فضلوا المجابهة على الاستسلام، ومن بينهم سيدي البكري الذي جرح فيها جرحا بليغا ليواصل الجهاد الى غاية وفاته في سنة 1930. في هذه الفترة يضيف محدثنا أن المستعمر الفرنسي منع منعا بات إقامة المدارس و نشر التعليم وغلق مجالس القضاء الذي كان يأتي إليها المختصمين، و حاول في نفس الوقت فتح مدارس التعليم الفرنسي، لكن أهل المنطقة لم يخدعوا لهذه القرارات و استمر القاضي الشرعي الذي اختاره الأهلي في النظر في مشاكلهم و استمرت الكتاتيب و الزوايا في نشر التعاليم الاسلامية و تعليم اللغة العربية و عزفوا عن كل ما يسمى التعليم الفرنسي، ما عاد راهب فرنسي كان موجودا في كنيسة وكان يحاول أن يجلب بعض الاطفال لتعليمهم اللغة الفرنسية و سلخهم من جذورهم الجزائرية. يشرف حاليا الشيخ عبد الله البكراوي على المدرسة القرآنية بغوزي و هي أحد فروع الزاوية البكرية بتوات منذ سنة 1996 حيث تضم حاليا 30 طالبا في حين يصل في فصل الصيف الى 300 طالب أو أكثر تشمل عدة مستويات من المتوسط الى الجامعي . وفي هذا السياق يضيف الشيخ البكراوي :" تولي الحاج سيدي محمد البكري عن أسلافه أمور تسيير الزاوية و من ذلك الحين يقوم بنظامها وخدمتها وكل ما يحتاجه الزوار، ومن شروط الالتحاق يكون سن المتمدرس بين 13 و 16 سنة، و نستعين في تقديم الدروس بأساتذة و مشايخ مختصين ونستضف بعض الاساتذة الجامعيين ليعطوا الدعم لهم في حين يتحمل المحسنين مصاريف الطلبة و هم مشكورون، أما عن الدروس المقدمة فهي في التجويد، الحديث، فقه العبادات، فقه العقائد، فقه المعاملات، باب الآداب و دروس في اللغة العربية، و أضيف في نفس المنوال أن مصطلح الزاوية هو مصطلح شامل لكثير من المعاني، فهناك زاويا الإطعام، زاويا الطرق و كذلك زاويا العلم . وهنا في توات الزاويا العلمية يطلق عليها المدارس القرآنية التي يكون عندها موارد و الأملاك خصوصا إذا كانت موقوفة لابن السبيل و المسافر والطفل و كذلك، والزاوية البكرية أسست لتقوم بدورها العلمي و الاجتماعي، و المطلع على تاريخ منطقة توات، فأهلها كانوا يحتاجون في السابق إلى المعيشة و الإيواء أكثر من الاقبال على العلم حيث استضافت الكثير من العوائل الذين كانوا مشردين، وكانت تقوم باستضافة العابر السبيل من منطقة تمنطيط ، أو رقان و الذي يكون قاصدا أرض التيمي ". ليواصل الشيخ عبد الله بكراوي أن هدف الزاويا هي تحفيظ كتاب الله لكل الطلبة الراغبين في ذلك خاصة وأنه كان اطارا في الشؤون الدينية بادرار، و كان قد التحق بمعهد تكوين اطارات الدينية بتمنراست سنة 1980 ووظف في المسجد كإمام ثم التحق بالجامعة و تحصل على شهادة ليسانس في العلوم الإنسانية، لينتقل الى القاهرة و يتحصل على شهادة الدراسات العليا في تخصص تحقيقي المخطوط و بعد تقاعده تفرغ للمدرسة القرآنية و تحفيظ كتاب الله . لا تزال الزاوية البكرية تواصل جهودها الإصلاحية بالمنطقة من خلال تعليم مبادئ الدين الإسلامي السمح وترسيخ نهج الوسطية والاعتدال و تكريس ثقافة المحبة والتآخي وحب الوطن و تثمين الأمن الذي تنعم به البلاد، كما أشار إليه أحد أبناء الزاوية البكرية الأستاذ عبد الرحمان البكري. ومن بين السمات المشتركة لزاويا تمنطيط أيضا استقطابها لعموم الطلبة بمدارسها القرآنية بل وحتى عابري السبيل دون تمييز عرقي أو طائفي أو دينيي .