منارات علم ودين....والريادة لسيدي بلكبير إرتبط تاريخ توات الثقافي والفكري بنشوء مراكز إشعاعية ثقافية،وكان لإستثمارها دور هام في نشر الحركة العلمية وقبلها الدينية. الزاوية مؤسسة علمية وإجتماعية إضطلعت بالعديد من المهام العلمية والإصلاحية والإجتماعية مماجعلها تحظى بإحترام الجميع وتنحت لإسمها مكانا خالدا في الذاكرة التواتية ومن المعروف أن المنطقة تشتهر بتعدد زواياها عبر ربوع الإقليم إلا أننا نتطرق إلى أشهرها وأبرزها ومنهم: زاوية الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي بزاوية الشيخ المغيلي وزاوية سيدي أحمد بن يوسف بتينيلان،وزاوية سيد البكري بالزاوية البكرية،وزاوية مولاي عبد الله الرقاني برقان،وزاوية مولاي هيبة بأولف ،وزاوية سيدي إبراهيم الواجدي بالواجدة،وزاوية مولاي سليمان بن على بأولاد وشن،وزاوية سيدي علي بن حنيني بزاجلوا،وزاوية سيدي موسى والمسعود بتسفاوت،وزاوية سيدي الحاج بلقاسم بتيميمون،وزاوية سيدي الحاج بو أمحمد بتبلكوزة،وزاوية سيدي الصوفي ببدريان وزاوية سيد أحمد الرقاد بزاوية كنتة،وزاوية سيدي حيدة ببودة،وزاوية سيد المختار بالجديد،وزاوية شيخ الركب أبي نعامة بأقبلي وزاوية سيدي عبد القادر بفنوغيل. هذا وتنقسم الزوايا بتوات الكبرى إلى قسمين ،زوايا حسب النشأة وزوايا حسب الوظيفة ويقصد بزوايا حسب النشأة تلك الزوايا التي أشتريت من قبل مؤسس الزاوية خارج القصر أو القرية،فيما زوايا حسب الوظيفة تلك التي تتمثل في زوايا العلم ومهمتها تحفيظ القرآن الكريم للأطفال بمختلف الأعمار وغالبا ماتجاور المسجد وهي عبارة عن مجموعة من الأبنية في سائر القصور التواتية ويطلق عليها العديد من الأسماء حسب مختلف المناطق بالولاية كالجامع بمنطقة توات،و"الأقربيش"بتيديكلت،"المحضرة" بتيجورارين وقد لعبت هذه الزاويا دورا بارزا في تحفيظ القرأن الكريم وتعليم العلوم الشرعية واللغوية، ولا ينحصر دور الزاوية عند هذا الحد بل تعددت خدماتها فهناك زوايا معروفة أيضا بزوايا التربية وتعد اماكن للعبادة والتربية والتعليم قام بتأسيسها رجال التصوف منذ القرن الثمن للهجري بإعتبار أن التصوف علم الباطن دون إغفال الجانب الظاهري في الشريعة. وهناك زوايا خاصة بالإطعام والإيواء حيث تقوم بهذه الوظيفة الزوايا بجميع أنواعها فتستقبل الضيوف والزوار وتوفر لهم الأكل والإيواء طيلة إقامتهم، وشعارها في ذلك قول الله تعالى: " إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُريدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً" وهذه الوظيفة عظيمة الشأن بالنسبة للزوايا المشهورة لما ينتج عن ذلك من نفقات يومية، بحيث لا يمر يوم على الزاوية إلا وتستقبل فيه عدد معتبرا من الزوار يزيد وينقص بحسب المكانة التي تتبوؤها الزاوية وشيخها ومن بين أشهر الزوايا المعروفة والمشهورة سواء على المستوى المحلي أو المستوى الوطني وحتى الخارجي زاوية سيدي الحاج محمد بلكبير لمقدمها الشيخ عبد الله بلكبير بأدرار الرجل القرآني الشيخ الحاج محمد بن الكبير : الشيخ الجليل من مواليد سنة 1333هجري الموافق لسنة 1911م بقرية لغمارة التابعة إقليميا لمنطقة توات وتحديدا ببودة 25 كلم غرب عاصمة أدرار،إنتسب لأسرة شريفة القدر والجاه،تنحدر من سلالة ثالث خلفاء الراشدين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وقبل أن يشتد عود شيخنا الجليل فارقته أمه إلى مثواها الاخير وعمره لا يتجاوزالثلاث سنوات ليتكفل به والده وزوجة أبيه وفى الخامسة, من عمره أدخله ابيه لمسجد القرية بلغمارة ليتعلم على يد إمام المسجد أنذاك الطالب محمد بن عبد الرحمان وكان من أولى مساعديه في تحصيله وتفوقه. وعن ظروف نشأته الاسرية فقد ترعرع بين أحضان عائلة مفعمة بعبق العلم فكان أبوه عبد الله من حملة كتاب الله،وكان عمه أيضا إماما ومعلما بمسجد القرية،بينما كان خاله سيد محمد بن المهدي فقيها وصوفيا هو الأخر حيث زرعوا فيه حب الإستزادة من العلم والمعرفة وخلال تلك الفترة القصيرة من عمره تمكن الشيخ الجليل من حفظ القرآن الكريم وبعض الأمهات الفقهية كالرسالة والألفية وغيرها وما إن ناهز البلوغ حتي ا نتقل به والده إلى مدينة تمنطيط وهناك تلقى ماتيسر له من العلوم الشرعية والعربية من و توحيد وفقه،وحديث،وتصوف،وتفسير،وأداب،ونحو،وصرف،وذلك كله كان على يد شيخه الجليل سيدي أحمد بن ديدي البكراوي الذي مكث برفقته مدة ثلاث سنوات وكانت كافية ليلم شيخنا الجليل بالعلوم المذكورة ،ويتفرغ لعلماء المنطقة وأقطابها مثل الفقيه البلبالي ببني تامر،والشيخ القاضي سيدي محمد بن عبد الكريم البكري وغيرهم من علماء إقليم توات وهذا للإستفادة منهم في الكثير من المسائل والبحث في مشكلات العلمية التي تعسر على الشيخ المراجعة فيها وبعد مرور ثلاث سنوات إشتدت حاجة الوالد لإبنه الشيخ محمد فطلب منه الرجوع للقرية بلغمارة ليعيله على هموم الدهر،إلا أن رحلته لم تكتف عند هذا القدر بل واصل رحلته في العلم والمعرفة والبحث في أمور الدين إلى خارج مسقط رأسه وعن إقليم توات ككل وقصد ولاية تلمسان متوجها إلى شيخ الطريقة الكرزازية أنذاك الشيخ سيدي عبد الرحمان بن بو فلجة رحمة الله عليه،وهناك مكث قربه لعام كامل،لينتقل بعدها إلى بادية المشرية وتحديدا إلى العريشة التي بقي فيها لسنوات قليلة ،ليشد الرحال مجددا إلى تيميمون وضواحيها حيث أسس بها أول مدرسة قرأنية له بعد رحلته التكوينية وكان ذلك سنة 1943 م حيث شاع خبرتأسيسها وهو الامر الذي إستحسنه أهل المنطقة كما فتحت أبوابها للوافدين من مختلف ربوع الولايات المجاورة منها غرداية وضواحيها وورقلة وبقية المناطق الأخرى وبها تواصل عطاء الشيخ بالمدرسة ليل نهار،وتواصل معه سعيه وإخلاصه وتفانيه في العمل سرا وجهرا ،وخلال هذه الفترة الوجيزة من عمره بمنطقة تيميمون تخرج على يده عدد لا بأس به من حملة كتاب الله،والمتضلعون في الفقه الإسلامي من بينهم الشيخ محمد بن عومر،الحاج سالم بن إبراهيم. وفي سنة 1950 توجه إلى مدينة أدرار أين قام فيها بفتح مدرسة قرأنية خاصته ولم يخف من تهديدات الإستعمار الفرنسي المتكرر للزاوية لما كانت تمثله مسيرتها البنائية بل ظلت مشعلا مضيئا ونبراسا نيرا في سماء الإقليم إلى غاية الإستقلال وبعدها كسبت الزاوية حريتها وتوسعت رقعتها إلى كافة الأقطار وجعل منها الشيخ وعاءا كبيرا يحتضن العديد من الطلبة بمختلف الأجناس والاعمار حتى غدت المدرسة جامعة حقيقة لكل أبناء هذا الوطن وأبناء الإسلام والعروبة جمعاء ومن بينها الدول المجاورة كليبيا،تونس،مالي ،والنيجر وموريتانيا ولم يبخل في تعليمهم وفهمهم وشرحهم لأن اثمرت العديد من المشايخ والدعاة وتخرج الكثير من الطلبة على يده الذين حملوا مشعل العلم معه الى أن وافته المنية يوم الجمعة 16 جمادى الثانية 1421 ه الموافق ل 15 سبتمبر 2000 وطيلة تلك السنوات كان رحمة الله عليه يضرب به أروع الأمثلة في القيام بالواجب ونكران الذات والإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه فكان بحق أمة لما إجتمعت فيه من خصال الجامعة والمآثروتحصيل العلم . والجديربالذكر أن المدرسة في عهده إحتوت على 1200 طالب في نظام تربوي داخلي خارجي ولاتزال قائمة لحد الساعة في طريقها إلى بنائها المعرفي رغم رحيل مؤسسها منذ سنين.