الجزائر والثورة الجزائرية والأحداث التاريخية تبقى دائما جرحا ينزف في خاصرة بفرنسا ولا يندمل أبدا. فالحنين إلى زمن الإستعمار وإلى الجزائر، ما فتىء يغذي وسائل الإعلام الفرنسية بالحصص والكتابات الأدبية بالكتب حول الفردوس الذي ضاع من فرنسا إلى الأبد. هذه الأيام يكثر الحديث على جميع المستويات في فرنسا حول حرب الجزائر بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلالها وذكرى وقف إطلاق النار التي نحتفل بها الأسبوع القادم، حيث خصصت معظم الصحف والمجلات ملفات كاملة عن حرب الجزائر كما أفردت لها القنوات لا سيما القناة العمومية »فرانس2« حصة، عرضت من خلالها فيلم »حرب الجزائر التمزّق« ثم أتبعته بنقاش شارك فيه مؤرخون وشهود وكذا المخرج المعروف »بنجامين ستورا« والمحامي الجزائري علي هارون. وإذا كان الفيلم قد قسم خلال 55 دقيقة الأحداث إلى فترتين، الأولى ما بين 1954 و1958 والثانية ما بين 1958 إلى 1962، وبثّ عدة صور، جزء كبير منها لم ينشر وجاء من مصادر مختلفة، وكان منصفا في العرض دون تحيز، فإن النقاش أيضا تميز بالموضوعية إلى حد ما، دون تفضيل طرف على الآخر، رغم أن فرنسا لا تزال لحد الآن تتألم لعدد الجنود الذين سقطوا من صفوف جيشها أو المعمرين المدنيين الذين قضوا في التفجيرات. من ذلك إحدى الصحفيات والكاتبات التي حضرت النقاش وهي من أصل يهودي، فقدت جدّتها خلال القنبلة التي وضعتها المجاهدة زهرة ظريف، وكان عمرها آنذاك لا يتجاوز الخمس سنوات هذه الحادثة أثرت فيها فكتبت كتابا بعنوان رسالة إلى زهرة ظريف تحكي معاناتها وإحساسها بفقدان جدّتها، لكنها بالمقابل لا تطالبها بشيء كما تقول أي الإعتذار، مثلما جاء على لسان أحد المتحدثين، غير أنها اكتفت بابتسامة، حتى أنها قابلت مراسلتها في باريس ولكنها لم تتحدث إليها، لأنه ليس لها ما تقوله باستثناء ما جاء في الكتاب. معاناة »الحركة« كانت حاضرة أيضا في هذا النقاش على حدّ قول ابنة أحد منهم التي كتبت هي الأخرى تروي حياة هذه الفئة التي لم تجد مكانا لها، لا مع فرنسا ولا مع الجزائر، وبقيت وصمة عار فالكل اعترف بأن الآلام كانت من الجانبين وحتى الذين شاركوا في هذه الحرب، معظمهم كان من الجنود »المستدعين« وصدموا على حد قولهم لما يرأوه من فظاعات، وقد حاول بعضهم إدانة ما يحدث لكنه تعرض للعقوبات، الأمر الذي أجبر الكل على التزام الصمت. ولكن ما يلاحظ في هذا النقاش أنه مهما كانت المعاناة، فإنه لا يمكن أن يتساوى الضحية والجلاد. فالضحايا كانوا بالآلاف بل تجاوزوا خط المليون والنصف المليون، أضف إليها الدمار والتشريد، والخراب والإصابات، أيتساوى كل هذا مع بضعة أو كمشة من الجنود أتوا ليستعرضوا عضلاتهم أو حفنة من المعمرين احتلوا أملاك وقرى وديار آخرين وهجّروهم، كيف يمكن أن تتساوى معاناة محتل غاشم وظالم، سلب الناس كل ما يملكونه وقتّلهم وعذّبهم وشردهم، وشعب مسالم لم يطالب سوى بحقّه، فلم يجد سوى السلاح وسيلة لرد الظلم والقهر بعدما استنفذ كل الوسائل الأخرى، ألا يقال في المثل لا يفلّ الحديد إلا الحديد نعم هذا هو الرد على من قالوا إن الغاية، وإن كانت نبيلة هي الإستقلال لا تبررها الوسيلة، وأية وسيلة أخرى تستعمل إذا كان الظالم لا يفهم غيرها.