منذ فترة طويلة جدا لم أخرج من البيت. ما إن وصلتني دعوة لحضور افتتاح قاعة سينما جديدة قررت تلبيتها على الأقل سألبس من خلالها حذائي الجديد المجنح. شعرت بالذُّعر لعدم تمكن سكرتيرتي الخاصة مرافقتي بسبب إصابتها بوعكة. أخبرتني الجمعية المنظمة للحدث بأنها سترسل لي سائقا خاصا يصطحبني لمكان الحدث. ما إن ركبت السيارة بدأت أشعر بالارتياب، خصوصا أننا سلكنا طريقا مهجورا. سألته من فضلك أين نحن ذاهبون للأدغال؟، ابتسم مطمئنا. لا داعي للقلق سيدتي تقع القاعة الجديدة في سفح جبل من جبال شرشال. فجأة توقفت السيارة عن الحركة وسط غابة كثيفة. يلفها السكون. هسيس الأشجار، وهي تتنفس وسط الظلام. حاول السائق طمأنتي : - لا أعلم سيدتي ما بها السيارة مع أنها جديدة لا تريد الحركة من جديد. بنرفزة أخرج نقالي : - لا توجد شبكة في هذه المنطقة النائية. أحاول إرسال ميساج لكنني لا أفلح أبدأ. أراقب السائق و هو يتنقل بين داخل السيارة و خارجها لتفحص المحرك. أحاول طرد الرعب بملامسة حذائي الجميل الجديد أستعين بريشه للحصول على بعض الطمأنينة. أخيرا تنطلق السيارة من جديد أتنفس الصعداء، و قد وصلنا أخيرا لمكان الحدث. تستقبلني رئيسة الجمعية و مديرة قاعة السينما الجديدة : - سيدتي متيقنة أنك ستقعين في حب قاعتنا الجديدة. إننا بصدد البحث عن مُموّلين مفترضن. من يدري قد تشترين القاعة. علمنا أنك بصدد توسيع أنشطتك فيما يخص الاستثمار الثقافي. أتأملها بصمت فاسحة المجال لأن تشرح لي الوضعية أكثر. و نحن نتوجه لقاعة السينما تمسك ذراعي بصوت آلي تسألني : - هل تحبين أفلام الرعب؟. أسحب ذراعي من يدها متملصة : - أنت مخطئة.. أنا لا أحب أفلام الرعب. و كأنها لا تريد سماعي ، تشرح لي فحوى الفيلم يتطرق الشريط لفيروس فتاك، يصيب العالم فيدفع الإنسانية للالتزام ببيوتها. أتأفف يا لها من فكرة سخيفة جدا. هل قطعت كل هذه المسافة لمتابعة قصة بسيوكوبات صنع فيروسا قاتلا لترويع البشرية. تبقى مضيفتي صامتة للحظة كأنها تستقرئ ما يوجد برأسي. تضحك عاليا : - سيدتي، قاعتنا مختلفة لا يتفرج المتفرج الأحداث و هو جالس. بل نجهزه بجهاز خاص يجعله عنصرا فعالا مشاركا في أحداث الفيلم. أمعن النظر فيها : - هل تقصدين أنني سأجسد دورا في الفيلم؟، سأمثل دورا بدلا من التفرج عليه.. حسنا و أي دور ستمنحونني إياه؟ تجُرُّني مديرة القاعة من جديد. أشعر بالغثيان و برغبة شديدة في التقيؤ. أفكر بالهروب أين و كيف. أين هو المخرج. لكنها تقرأ أفكاري و تعلم جيدا ما أنوي فعله قبل أن أنجزه. بصوت مهموس أقوم بإستجدائها : - من فضلك لا أريد لعب هذه اللعبة. دعوني و شأني. أتوسلك دعيني أرحل.. لا أتقن اللعب.. إلعبوا دوني.. أرفع رأسي عند باب القاعة لقراءة عنوان الفيلم.. " إنه فخ ".