توفي أول رئيس للجزائر المستقلة أحمد بن بلة (1962 1965) أمس الأربعاء بمقر سكناه عن عمر يناهز 96 سنة حسب ما علم لدى أقارب الفقيد وقد تدهورت الحالة الصحية للفقيد في الآونة الأخيرة حيث أدخل شهر فيفري الماضي مرتين إلى المستشفى العسكري »محمد الصغير نقاش« بعين النعجة عاش أحمد بن بلة حياة صنعها النضال منذ شبابه، وتكون في السياسة بحزب الشعب الجزائري، وتربى في جزائر أريد لها أن تكون فرنسية لمدة 132 ، لكنه لم يتنكر لها ولم يقبل النظام الكولونيالي وتمييزه العنصري ضد الأبناء الحقيقيين لهذه الأرض الطاهرة. ولد أحمد بن بلة في 25 ديسمبر 1916 في مدينة مغنية الواقعة غرب مدينة وهران بالغرب الجزائري، تلقى تعليمه الثانوي في مدينة تلمسان، وعندما تفرغ منه أدى الخدمة العسكرية في العام 1937، وظل يشغل موقعه الرئاسي منذ 29 سبتمبر 1962 حتى 19 جويلية 1965، وقام قبل ذلك في العام 1954 بتأسيس جبهة التحرير الوطني. كفاح واعتقالات: تعلق بن بلة بالمجال السياسي والدفاع عن بلاده ضد الاستعمار، وانضم في العام 1945 إلى الحركة الوطنية، واشترك في حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وانتُخب في العام 1947 مستشاراً لبلدية مغنية، وشارك عام 1949 في عملية هجومية على مكتب بريد وهران. كانت مشاركاته في العمليات الوطنية السبب في وقوعه في قبضة الاحتلال، ففي عام 1950 ألقت الحكومة الفرنسية القبض عليه، وحُكم عليه بعد عامين بالسجن سبع سنوات، ولكنه تمكّن من الهرب إلى القاهرة في عام 1952، واشترك مع كل من حسين آيت أحمد ومحمد خيضر في تكوين الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، وقبض عليه مرة أخرى في العام 1956 خلال عملية القرصنة الجوية التي نفذها الطيران العسكري الفرنسي ضد الطائرة التي كانت تنقله من المغرب إلى تونس والتي كان معه خلالها أربعة قادة آخرين لجبهة التحرير، واعتقل بسجن فرنسي حتى إعلان الاستقلال في 5 جويلية 1962 فعاد هو ورفاقه إلى الجزائر. الوصول للرئاسة : وبمجرد خروجه من المعتقل عاد مرة أخرى للحياة السياسية، فقد شارك في العام 1962 في مؤتمر طرابلس الذي نتج عنه خلاف بينه وبين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وبعدها وصل إلى الرئاسة في 15 سبتمبر 1963، وكان يثق في وزيره دفاعه هواري بومدين ثقة عمياء، ولكنه كان السبب في الانقلاب عليه من قِبَل مجلس الثورة الذي يترأسه واتهامه بالخروج عن خط الثورة الجزائرية والديكتاتورية، وكان يأخذ عليه احتكاره لتسعة مناصب حساسة في وقت واحد، لذا قاد بومدين الانقلاب عليه بدافع تصحيح المسار السياسي والحفاظ على مكتسبات الثورة الجزائرية. اعتقاله ومغادرة البلاد : أدى الانقلاب على بن بلة إلى اعتقاله، وتسليم الرئاسة لبومدين، ووضع في فيلا شبه معزولة ولم يسمح لأحد بزيارته لمدة 15 عاماً، قضاها في القراءة والمطالعة على الفكر الإسلامي وغيره من المجالات الفكرية المختلفة، وعندما وصل الشاذلي بن جديد إلى السلطة عام 1980 أصدر عفواً عنه، وغادر بن بلة الجزائر متوجها إلى باريس ومنها إلى سويسرا . غداة الانقلاب عليه وضع أحمد بن بلة في فيلا خاصة في منطقة شبه معزولة ولم يسمح لأحد بزيارته ، ولم تجد تدخلات جمال عبد الناصر الشخصية في اطلاق سراحه ، وذهبت سدى كل المحاولات التي قام بها رؤساء الدول الذين كانت تربطهم بابن بلة علاقات صداقة . وعن فترة اعتقاله التي استمرّت 15 سنة قال أحمد بن بلة أنّه استفاد من أجواء العزلة واستغلّ أوقاته في المطالعة والقراءة حيث بدأ يتعرف إلى الفكر الاسلامي وغيره من الطروحات الفكرية .وقد تزوجّ وهو في السجن من صحافية جزائرية تعرفت عليه عندما كان رئيسا للدولة الجزائرية . العفو عنه . عندما وصل الشاذلي بن جديد إلى السلطة سنة 1980 أصدر عفوا عن أحمد بن بلة حيث غادر الجزائر متوجها إلى باريس ومنها إلى سويسرا في منفى اختياري . عودته إلى السياسة: ولكن لم يتمكن من الابتعاد عن الساحة السياسية، وأنشأ في فرنسا حزب الحركة من أجل الديمقراطية، والذي استخدمه كوسيلة للمعارضة على نظام الشاذلي وحزب جبهة التحرير الوطني والأحادية السياسية، وطالب من خلاله بحياة سياسية تتسم بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وكانت هذه الحركة تصدر مجلتين هما البديل وبعده منبر أكتوبر تيمنا بانتفاضة أكتوبر الجزائرية سنة 1988 ، وقد عارض نظام الشاذلي بن جديد وحزب جبهة التحرير الوطني والأحادية السياسية ، وكان يطالب بحياة سياسية تتسم بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان . وبعد دخول الجزائر مرحلة الديمقراطية التنافسية عقب خريف الغضب في 05 تشرين الأول _ أكتوبر _ 1988 عاد أحمد بن بلة إلى الجزائر على متن باخرة أقلعت من أسبانيا وكان برفقته مئات الشخصيات الجزائرية والعربية والأجنبية ، وواصل في الجزائر معارضته للنظام الجزائري من خلال حركته من أجل الديمقراطية . ولم يحقق حزب أحمد بن بلة أي نجاح يذكر أثناء الانتخابات التشريعية الملغاة والتي جرت في 26 كانون الأول _ديسمبر 1991 وعلى الرغم من ذلك فانّ أحمد بن بلة كان معترضا على الغاء الانتخابات التشريعية وكان يطالب بالعودة إلى المسار الانتخابي وكان يعتبر المجلس الأعلى للدولة _ رئاسة جماعية _ الذي تشكل بعد الغاء الانتخابات وإقالة الشاذلي بن جديد سلطة غير شرعية . وعندما حلّت الجبهة الاسلامية للإنقاذ من قبل السلطة الجزائرية اعترض على ذلك وغادر الجزائر مجددا وتوجه إلى سويسرا ومافتئ هناك يطالب بالمصالحة الوطنية المؤجلة و عاد إلى الجزائر مجددا وقابل عندها رئيس الحكومة بلعيد عبد السلام . وبعد أن انتخب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 1999 وطرحه لمشروع الوئام المدني أنذاك آثر الراحل إلا أن يقدم كل حكمته ودعمه الكامل حقنا للدماء، لأنه كان يرى أن الجزائر بحاجة إلى لم الشمل أولا، ثم مباشرة استراتيجية البناء لاستدراك التأخير التنموي الذي أصاب البلاد جراء العشرية السوداء. ومن حنكة الرجل وبعد نظره السياسي والاستراتيجي ترأس أحمد بن بلة مجلس حكماء أفريقيا لتستفيد القارة السمراء من براعته ومعرفته المعمقة للتوازنات القارية والدولية.