عشية الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لاندلاع الثورة التحريرية المظفرة عبر كل ربوع الجزائر ارتأت جريدة الجمهورية ضمن استطلاعاتها الصحفية تسليط الضوء على مشاركة سكان تندوف ومقاومتهم العنيفة للاستعمار الفرنسي كغيرهم من الجزائريين الغيورين على وطنهم المضحين من اجل استرجاعه كاملا غير منقوص وهو ما صرح لنا به احد مجاهدي تندوف الذي شارك في عمليات صد العدوان والاحتلال عن المنطقة ، وأعتبر المجاهد أن لمنطقة تندوف مساهمة كبيرة في الثورة من خلال المعارك الكبرى التي شهدتها المنطقة ونفذها المجاهدون في وجه المحتل وهو ما سنبرزه ضمن هذا الاستطلاع الذي نهدف من ورائه تقريب الصورة للشباب عن مقاومة الاهالي ودورهم البطولي أبان الاحتلال الفرنسي للمنطقة وأهدافه الاستراتيجية التي أفشلها صمود سكان تندوف كبار وصغارا ذكورا وإناثا ، من جهة اخرى نسعى الى ربط شباب المنطقة بتاريخه وإقحامه في جدلية كتابة وتوثيق التاريخ البطولي المرتبط بالثورة التحريرية المظفرة. ولكي تأخذ فكرة عن تندوف ودورها الاستراتيجي أبان الاحتلال الفرنسي للجزائر لابد عليك من التوقف عند موقعها الاستراتيجي والذي أهلها لان تلعب دورا اقتصاديا وتاريخيا وثقافيا ضمن محيطها المغاربي ، وهمزة وصل بين دول افريقية كانت تمثل لها ممر عبور نحو إفريقيا من خلال نشاط القوافل التجارية التي كانت تجوب الصحراء.وتسوق ناب الفيل وريش النعام ومختلف المنتجات الافريقية والتي كانت تلق رواجا بسوق تندوف القديمة / سوق الماشية وتبادل السلع والمنتجات . ومن هنا تكونت أولى لبنات النهضة الاقتصادية بواسطة سوق المقار من التجارب الاقتصادية آنذاك وقد صاحب تلك اليقظة الاقتصادية نهضة فكرية صنعها علماء المنطقة من خلال دور الزوايا والكتاتيب القرآنية التي تمثل أرقى مراكز تلقين المعرفة آنذاك بالنسبة لمجتمع اعتمد منذ تكونه على التنقل والترحال غير أن هذا لم يمنعه من نشد الاستقرار فأقام لنفسه مساكن من الطين/ مادة الركز/ ماتزال أثارها باقية . * الوازع الديني فضلا عن وطنية أهل المنطقة في الدفاع عن الديار وصون الوحدة الترابية للجزائر بإمكانيات بسيطة كان قوامها الايمان بالله ومحاربة النصارى والذود عن الدين والوطن الذي حاول المستعمر تدنيسه من خلال مطاردة العلماء وأهل الدين ، ولم يقتصر دور شيوخ وقبائل تندوف على هذا النحو بل برزت شخصيات أخرى أخذت عبء تدريس القران الكريم بالكتاتيب القرآنية المتنقلة ، ومنهم من أمتطى جواد إصلاح ذات البين والعمل على نشر أواصر المحبة بين الناس ومن هؤلاء الولي سيدي أحمد ألرقيبي الذي ترك درية كثيرة انتشرت هي الأخرى عبر فضاءات الصحراء. و ماتزال محافظة على وطنيتها كباقي أطياف المجتمع التندوفي الذي قاوم بشراسة الاستعمار الفرنسي الذي حاول النيل من أهل تندوف سنة 1934 غير أنه قوبل بمواجهة ورفض شديدين من منطلق حرص السكان على محاربة النصارى والتمسك بوطنيتهم التي لم تؤثر فيها إغراءات ووعيد الجيش الفرنسي ، وهناك شواهد كثيرة عن مقاومة أهالي تندوف للزحف الفرنسي نحو المدينة ، ومنها معركة مركالة عام 1956 واستشهاد شهداء الثورة بهاو عددهم 11 شهيدا منهم 10 بتندوف و شهيد بالعين الصفراء هو الطاهر عبد الوهاب، وهذا نموذج من الكفاح المسلح الذي قام به سكان تندوف كعربون للفداء والدفاع عن تندوف التي تمثل جزءا لايتجزأ من الجزائر ، وإيمانا منهم بأن الثورة الجزائرية ثورة واحدة من اقٌصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وقد احتلت القوات الفرنسية تندوف في تاريخ 31 مارس 1934 وقد كلف احتلال تندوف وإقامة مركز بها مسيرة طويلة وشاقة لعمليات التوسع الاستعماري في الجزائر ، كما يعتبر احتلال تندوف أهم حدث في سياسة التوسع الاستعماري للقارة الإفريقية حيث سمح لفرنسا أن تربط مستعمراتها في الشمال والجنوب والشرق والغرب ، وتنشأ بذلك إمبراطورية مترامية الأطراف داخل القارة الإفريقية تجلب منها الخيرات والكنوز الكثيرة وقد أحاط الموضوع بشكل دقيق وموسع الدكتور براهيم مياس في كتابه الاحتلال الفرنسي للصحراء الجزائرية 1837/1934 . * مظاهر المقاومة وتتجلى مقاومة أهلي تندوف للاستعمار الفرنسي في ثلاثة عنصرين أساسيين أولهما مقاومة معنوية تتمثل في مقاطعة المحتلين ورفض التعامل معهم كونهم رجس ونصارى لاينبغي الجلوس معهم والاختلاط بهم ، وعدم اقتناء بضائعهم أما العنصر الثاني فيتمثل في مقاومة مادية فعلية تمثلت في حمل السلاح وإعلان الكفاح المسلح ضد المحتلين وبخصوص استكشاف المنطقة ودخول فرنسا اليها فإن معظم المصادر والوثائق تجمع على أن الاحتلال الفرنسي كان يقوم بعملية ارسال بعثات استطلاعية للاماكن التي يرغب وينوي احتلالها ، منطلقا في معرفة سكانها وأحوالهم وثقافتهم كان ذلك بداية من سنة 1934 مع الاشارة هنا إلى أن تندوف كانت آخر منطقة من جنوبالجزائر يتمكن المحتل من الوصول اليها بمشقة وغزوها سنة 1936 حسب ما توفر لدينا من المصادر والوثائق ، ويعكس هذا الاحتلال الذي جاء بعد قرن من احتلال معظم التراب الوطني وقوف سكان تندوف بالمرصاد أمام أطماع التوسع الاستعماري والحديث عن مقاومة أهالي تندوف للاستعمار الفرنسي فإن معظم البحوث التاريخية تجمع على أن منطقة تندوف احتضنت المقاومة الوطنية ضد الجيش الفرنسي منذ منتصف الاربعينيات وتحولت الى مركز استقطاب هامة ومنطقة تحرر أصيلة رفض سكانها الخضوع للمحتل الفرنسي وبالرجوع إلى تاريخ الثامن ماي 1945 فإن مسافة 2300 كلم قد تقلصت بين تندوف في أقصى الجنوب الغربي الجزائري وبين سطيف وقالمة وخراطة بالشرق الجزائري كما صرح أحد الباحثين والمؤرخين من تندوف ، وأصبح نبض الثورة واحدا والهتاف واحدا والتوق نحو التحرر واحد ، وبعد اندلاع الكفاح التحرري في الفاتح من نوفمبر المجيد عام 1954 هب أهالي تندوف كغيرهم من أحرار الجزائر حاملين راية الجهاد من أجل الحرية والكرامة وهو ما تعبر عنه معركة مركالة التاريخية التي دارت رحاها بين مجاهدي تندوف وجنود المستعمر الفرنسي عام 1956 وكان من جرائها استشهاد 11 شهيدا بساحة الوغى منهم شهيد لفظ انفاسه بمنطقة العين الصفراء وهو الشهيد الطاهر عبد الوهاب ، بالإضافة إلى معركة حاسي مونير التي ما تزال به شواهد التعذيب الاستعماري المسلط على المجاهدين والرافضين لمده الاستعماري كما هو الحال بالنسبة للسجن الاستعماري الذي ما تزال اثاره باقية الى يومنا هذا بقرية حاسي مونير البطولية وكذا معركة أم لعشار التي هزت كيان المحتلين و تجدر الإشارة إلى ان مركالة وام العشارهما منطقتان جبليتان بصحراء تندوف جرت بهما أشهر المعارك ضراوة وقف فيها مجاهدو تندوف مستبسلين و هناك مناطق أخرى جرت فيها اشتباكات التي احرق فيها الكثير من السيارات و المعروفة عندنا بمعركة لوتيتات إضافة إلى إسقاط طائرة فوق واد الفيقين كما أشار الى ذلك الاستاذ سويد أحمد إبراهيم وهو أحد الباحثين في تاريخ المنطقة . و من هنا يتضح جليا النظرة الاستعمارية المعمقة لأهمية تندوف الإستراتيجية منذ 1923 مع بداية رحلات المستكشفين الفرنسيين و منذ 1934 و تندوف تعاني ويلات الاستعمار على جميع الأصعدة حيث لاقى أهلها اشد انواع التقتيل و ذلك لمدة اسبوع كامل مباشرة بعد رحيل جيوش الحلفاء من تندوف. هذه الأحداث التي عرفتها تندوف و أهلها ساهمت مساهمة كبيرة في مقاومة الاحتلال حيث كان أهل هذه المنطقة شوكة حادة شعر هؤلاء المحتلون بقوتها و ببسالة هؤلاء المقاتلين الأفذاذ و اعترفوا بأنهم قوم ذوو باس شديد وعزم لا يلين. ان المقاومة التي أبداها مجاهدو تندوف في الجنوب الغربي من هذا الوطن المفدى لا تقل اهمية عن سائر المقاومات التي ظهرت في جميع ربوع الجزائر الحبيبة و هي جزء من الكفاح الوطني الشامل الذي خاضه الشعب الجزائري في ربوع الوطن إن مقاومة سكان تندوف للاحتلال جاءت عفوية مستنكرة لوجوده إذ لم تكن منظمة قياسا لما تميزت به المقاومات الأخرى التي يقودها المفكرين و الزعماء الذين يوحدون منهجها لذلك كانت هذه المقاومة تقوى و تشتد في بعض الأحيان و تخبو جذوتها في أحيان أخرى. و من الملاحظ ان المقاومة في الجنوب الغربي خاصة في منطقة تندوف لم تاخذ حقها من التنقيب وهناك نقص في تناول الباحثين و الدارسين لها بالاستقصاء و البحث فلا تزال مادة خام لم ينفض عنها الغبار من اجل الوقوف عليها لإخراجها من طي الإهمال و النسيان و اللوم هنا نوجهه إلى مثقفي المنطقة و خاصة أبنائها من اجل ادلاء دلائهم في هذا الموضوع القديم الجديد .