أصدر الصحفي مصطفى بن دهينة كتابا بعنوان ''قطوف من تاريخ تندوف'' يسرد فيه مسيرة الكفاح الوطني بمنطقة تندوف خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر. احتضنت تندوف الحركة الوطنية حسب المؤلف بداية من منتصف الأربعينيات وتحولت في فترة قصيرة إلى مركز استقطاب جعل حتى بعض المناضلين من الدول المجاورة التي كانت تحت نير الاحتلال الفرنسي يلتحقون بهذه المدينة المضيافة للاحتكاك والاستفادة من التجربة الجزائرية المتأصلة في الكفاح الوطني والوعي الثوري والتكوين السياسي. في 8 ماي 1945 تقلصت مسافة 2300 كم بين تيندوف بأقصى الجنوب الغربي الجزائري وبين سطيف والمة وخراطة بالشرق الجزائري وأصبح النبض واحدا والهتاف واحدا. بعد اندلاع ثورة التحرير المظفرة التحمت تيندوف ببقية مناطق الوطن تحت راية الجهاد من أجل الحرية والكرامة، وعلى تراب المنطقة كانت معارك واشتباكات ''مركالة'' و''المنير'' و''أم لعشار'' و''السويحات'' و''وادي الداورة'' وغيرها. خلد فنانو تندوف وعلى رأسهم شعراء الحسانية (لهجة سائدة بتندوف) هذه الأحداث التاريخية منذ فترة ما قبل الاستقلال وراحوا يقرأونها في بعض المجالس الخاصة وفي البوادي والحمادات. من بين شعراء تندوف الراحل علي فويشل حيث كتب القصائد الطوال في وصف الأحداث والمعارك التي دارت رحاها بالمنطقة، كما نظم قصائد سجل فيها معركة البناء بعد .62 من القصائد المشهورة لهذا الشاعر الوطني قصيدة يصف فيها إحدى المعارك يقول فيها: هجمة مركالة ما تقاد هجمتها حرب بحالة هجمة مركالة وثم زاد أم لعشار مع مركالة وفي مركالة ساعة لخبيط حرقوا فيها كم من آلة. للإشارة فإن ''مركالة'' و''أم لعشار'' منطقتان جبليتان بصحراء تندوف جرت بهما أشهر المعارك. عرفت المنطقة أسماء شعرية أخرى منها ميلود الجكاني والشاعر سعيد محمد الأمين ومختار مخيطير ومحمد الصالح صلحاوي وغيرهم. إضافة إلى الابداع الشعري ارتبطت الأهازيج التندوفية بهذا التراث الثوري فالعبارات والمقاطع المغناة غالبا ما تكون مرصعة بمعاني التحرر والاستقلال والبطولة ولعل من أهمها أهزوجة ''الأيام الجميلة'' التي تشدو بها النسوة خاصة وتحكي عن مآثر ثورة نوفمبر وعن الأسلحة البسيطة التي اخرجت العدو رغم بطشه فلم تكن القضية قضية سلاح بل قضية ايمان. تسترجع تندوف هذا الشهر (مارس) ذكرى استعمارها في سنة 1934 أي بعد أكثر من قرن من احتلال الجزائر فلقد كانت تندوف آخر نقطة تحتلها فرنسا لذلك فإن هذه الأخيرة لم تهنأ في احتفالاتها المخلدة للذكرى المئوية لاحتلال الجزائر إذ بقيت تندوف الدرة المفقودة في سلسلة الجزائر لما تمثله من وصل بين افريقيا الشمالية والمستعمرات الفرنسية بالسينغال والسودان وباقي القارة الافريقية. هذه النظرة الاستعمارية المعمقة لأهمية تندوف الاستراتيجية تولدت منذ سنة 1923 مع بداية رحلات المستكشفين الفرنسيين منذ 1934 وتندوف تعاني ويلات الاستعمار على كل الأصعدة وتجسد البطش خاصة بعد الحرب العالمية الثانية حيث لاقى أهلها أشد أنواع التقتيل والتعذيب وذلك لمدة أسبوع كامل أي مباشرة بعد رحيل جيوش الحلفاء من تندوف الذين كانت لهم فيها قاعدة عسكرية أمريكية. أحداث أخرى سياسية عرفتها تندوف حتى مطلع الاستقلال وأثبتت حضورها في كل أشكال النضال السياسي والمسلح. تراث تندوف يمتد إلى الأدب والفكر والتاريخ والأدب الشعبي ولعل قصة ''هدارة رفيق النعام'' استطاعت بجدارة أن تدخل الأدب العالمي لخصوصيتها التراثية، كذلك الحال بالنسبة للاشعاع الديني والعلمي والثقافي لزاوية العلامة محمد المختار بن بلعمش التي توافد إليها الطلاب من كل الأقاصي وكانت أول جامعة بالصحراء الكبرى ومنها تخرج الآلاف من العلماء والفقهاء والأئمة والحفاظ والمعلمين إلى درجة أن أوسكار ملك السويد والنرويج في القرن ال19 طلب من الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني أن يرسل إليه بعثة علمية شرط أن يكون على رأسها النسابة الفقيه والأديب والعالم محمود التركزي وهو أنجب تلاميذ الجامعة والعلامة الكبير بن بلعمش. تندوف اليوم تلم تراثها قصد تثمينه وكشفه لأبناء الجزائر كافة. للتذكير فإن مصطفى بن دهينة صحفي بمحطة بشار الجهوية (تلفزيونية) وسبق له نشر عدة أعمال أدبية وأفلام وثائقية ومسلسلات كان قد تحدث عنها وعن تجربته عموما فيما سبق ل''المساء''.