• بعض الصحف تستمد كبرها من تهميش المثقفين و المفكرين • لم أكتب عن الربيع العربي لأن بعض الأحداث لا أتفاعل معها أدبيا نفى الروائي و القاص الجزائري بشير مفتي وجود أي تكتل أو لوبي مشرقي ضد الابداع الروائي الجزائري أو ضد تتويج لأي عمل أدبي , حيث وصف هذه الأقاويل على أنها مجرد تخريفات و لا أساس لها من الصحة , مشيرا في السياق ذاته إلى أن العيب يكمن فينا نحن بالذات كجزائريين , إذ كلما نجح عمل جزائري أشهرت عليه سيوف الكراهية و الإقصاء تماما مثلما حدث معه عندما وصلت روايته " دمية النار" للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية , لكن هذا لا يمنع من الإقرار بأن الرواية الجزائرية تسير في اتجاه صحيح و من الممكن أن تفوز بالبوكر يوما ما ولم لا ؟ , و في سياق آخر أكد مفتي في هذا الحوار الحصري الذي خص به جريدة الجمهورية أن الرواية الجزائرية بحاجة إلى مساعدة داخلية واهتمام كبير من طرف الاعلام الذي لم يعد يهتم بالكاتب , لاسيما الصحف الكبيرة التي استمدت كبرها من تهميش المثقفين و المفكرين ..هذا إضافة إلى تصريحات أخرى تتابعونها في الحوار التالي : الجمهورية : تعتبر في روايتك الأخيرة " أشباح المدينة المقتولة " التي تدخل في إطار الرواية الوجودية أن الموت هو المخلص الوحيد للإنسان للخروج من شيء لا يحبه , الأمر الذي أدخل القارئ في متاهات فلسفية لا نهاية لها ..فما تعليقك حول الموضوع ؟ بشير مفتي : هي رواية متعددة الأوجه على ما أظن , لا يمكن القول أنها وجودية فقط أو واقعية أو فلسفية أو نفسية أو تاريخية , أي لا يمكن أن نعطيها صبغة واحدة , فهي تتعدد في جسد متعدد وتتبعثر في أرض مفتوحة على كل شيء ..الخير والشر والحب والكراهية والصراع بينهما الذي قد يكون صراع أبدي , ولكنه يتموقع في تاريخ وسياق معين كان له دوره ... الرواية من جهة واقعية , لأنها تقف على حياة أشخاص واقعيين يعيشون في حيّ شعبي يتحول عبر مسارات الجزائر المعاصرة و فينتقل من مرحلة الاستقلال المفرحة إلى السبعينات الحالمة , إلى التسعينيات المتألمة وهي رواية حب لأن كل أبطال الرواية ينشدون الحب ويعيشونه بفرح تارة وألم تارة أخرى .. وهي فلسفية لأن الأبطال أو بعضهم على الأقل يطرحون أسئلة عن حياتهم وموتهم , وتراجيديا الانسان في عصر متناقض ومخيف حيث انسداد الآفاق وخيبة الحلم...الخ . لابد للكاتب أن ينطلق من واقعه في كتابة نصوصه الجمهورية : كيف يختار الروائي نصوصه ؟ وهل بالضرورة أن تعبر الفكرة عن شيء حقيقي في الحياة ؟ بشير مفتي : لا أنطلق من الفراغ بل من تجربة في الحياة ومن تجربة في القراءة , لا يمكن للنصوص أن تخرج من العدم , هي حتما محكيات ناتجة من هذا الواقع الذي عشته , قد يضفي الكاتب بعض الخيال , وقد يصوغ كل تلك القصص وفق حبكة فنية ورؤية جمالية حتى لا يصبح النص مجرد محاكاة سطحية للواقع , ولكنه لا بد أن ينطلق من واقعه وما في هذا الواقع من حكايات وقصص وتصورات وصراعات وغير ذلك.. الجمهورية : برغم الصراعات الدموية التي يعيشها الوطن العربي , إلا أن القارئ يلاحظ بوضوح تقاعس المبدعين عن عكس هذه المآسي في إبداعاتهم الأدبية . فهل هناك عمل أدبي للروائي بشير مفتي حول الربيع العربي ؟ بشير مفتي : لا لم أفكر صراحة في ركب هذه الموجة ..ليس لأنني غير معني بها , فلقد كتبت عنها أكثر من مقال في جرائد عربية طلبت مني ذلك ..بل لأن بعض الأحداث لا أتفاعل معها أدبيا وقد أتفاعل معها فكريا أو حتى سياسيا ..لكن الأدب أعتبره حديقة خاصة هي التي تفرض ماذا يجب أن يدخل فيها وماذا يجب أن يزرع بداخلها...هنالك طبعا من يحب الموضة والصعود مع الموجة وغير ذلك , لكن أغلب من يركب موجات الموضة يفشل عادة أو يتسرع فيسقط في المباشرة والسطحية أو التبشيرية ...ربما في المستقبل من يدري ؟ لا يوجد لوبي مشرقي يقف ضد نجاح الرواية الجزائرية س4 : هل اختيار روايتك " دمية النار " ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربيّة 2012 ، ثم ضمن الروايات الست بالقائمة القصيرة يعطيك أمل في فوز نص جزائري بالبوكر يوما ما , أم ستظل الرواية الجزائرية قابعة في المقاعد الاحتياطية كما هي عليه الآن ؟ بشير مفتي : بالطبع لا أصدق تخريفات البعض بأن هنالك لوبي مشرقي يقف ضد نجاح الرواية الجزائرية أو وصولها إلى الفوز بأي جائزة..أنا أتصور أن من يقول هذا الكلام هو العاجز عن المنافسة أو الذي يشعر دائما بأن هنالك من يتآمر عليه , وغالب الوقت نحن من نتآمر على أنفسنا بدليل أن روايتي "دمية النار" عندما وصلت للقائمة القصيرة طالها صمت وتشنيع من طرف البعض الذين كلما نجح عمل جزائري أخرجوا سيوف الكراهية والاقصاء له...الرواية الجزائرية تسير في الطريق الصحيح ولا استغرب أن يفوز بها هذا الاسم أو ذاك في يوم من الأيام ... الجمهورية : قلت في إحدى اللقاءات أن الصحافة لم تعد تهتم بالكاتب مما يجعل هذا الأخير يبتعد عنها يوما بعد يوم . ؟؟ بشير مفتي : أقصد الصحف الكبيرة , تلك التي تستمد كبرها من تهميش الكتاب والمثقفين ..وإن فتحت بابا للكاتب كأنها تشفق عليه أو كما نقول نحن " أدير فيه أمزية" .. , أتأسف لذلك لأن كل الصحف العربية الكبيرة في العالم العربي يكتب فيها كتاب ومثقفون إلا عندنا . الرواية الجزائرية بحاجة إلى مساعدة داخلية الجمهورية : كيف تقيم واقع الرواية الجزائرية ؟ و أين مكانتها في المشهد الروائي العربي؟ بشير مفتي : لست باحثا أو ناقدا حتى أقيم , أنا أظن فقط أن هنالك أعمال روائية كثيرة تستحق الاهتمام , وأن هنالك أصوات كثيرة برزت بقوة وقدمت بديلا وشيئا مختلفا , وأن هنالك محاولات من شباب لا بأس به ويجب تشجيعهم بدل مصادرة حقهم في الوجود والحلم , لكن الرواية الجزائرية بحاجة إلى مساعدة داخلية واهتمام كبير من طرف الاعلام الذي ينقصه الاهتمام بالآداب على العموم .. الجمهورية : ما هو الجديد الأدبي الذي يعكف عليه الروائي بشير مفتي ؟ بشير مفتي : حضرت مؤخرا كتاب هو عبارة عن نصوص ومقالات نشرتها منذ عقد أو أكثر بعنوان "سيرة طائر الليل" يصدر قريبا , أما الرواية فأنا بصدد كتابتها , ولكن لا أدري متى أنهيها , ولهذا أفضل الصمت عنها حتى تنتهي .