أثارت إحدى المتدخلات في الملتقى الدولي ل « دور الصورة في الإعلام المعاصر » إحدى المسائل المهمة التي تعني مباشرة المستهلك في جانب تأثير العملية الإشهارية في الترويج لمادة غذائية دون أخرى وأخدت كمثال عن ذلك المياه المعبأة في القارورات التي تحمل في معظمها وسمة « ماء منبع » وهي في نظر مشتريها « ماء معدني » . لقد طرحت هذه الأستاذة مقارنة أكثر من ضرورية، لا يرتقي إلى إستيعابها المواطن الجزائري، نظرًا لغياب ثقافة الإستهلاك لديه وعدم قدرته على التمييز بين النوع والآخر وبين الصحيح ومجرّد الشَّبه، وإلا ماكان الجزائري لا يفرق بين الماء المعدني الذي يضم عناصر عضوية وأملاح معدنية مفيدة لجسم الإنسان وصحته، أنعم بها الله علينا كمياه طبيعية مميزة وبين مياه المنابع أي مياه الآبار والعيون التي لافرق بينها وبين مياه الحنفيات . والملاحظ أن مياه المنابع قد انتشر تسويقها في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للإنتباه وتعددت الأسماء : لا لا خديجة، نيسلي، الضاية، سفيد، مسرغين ...... وأسماء لم نحفظها لأنها عديدة تعداد بلديات وولايات الجزائر ونخشى أن تتعمم في الأيام المقبلة حسب عدد الأحياء والشوارع مادام الجزائريون يحفرون الأبار بكل مكان وبقعة . تذكرني، كما نبهت إلى ذلك الأستاذة المناقشة هذه الظاهرة بالكم الهائل من أنواع مياه المنابع الذي تروّج له مختلف الشركات بفرنسا لكن هذا البلد لايتوفر في الأصل إلا على نوع وحيد وأوحد من المياه المعدنية وهو المسمى « إيفيان »، وهو غالي جدًا، لا يقتنيه غالبية الفرنسيين، إلا في الحالات المرضية المستعصية، أو الذين ينتمون إلى الطبقات الراقية . أما المشاع بالجزائر، فالمياه المعدنية الأصلية لا تتعدى « سعيدة » ،« منصورة » وتعد النوعية الأولى الوحيدة التي تحظى بترخيص من وزارة الصحة لما تتوفر عليه من فوائد صحية جمة، أما الثانية فتُعرف بنفس الأهمية الغذائية والصحية حسب أساتذة مختصين في الكمياء والتحليل ... أما سبب تناولنا للموضوع فهوليس أفضلية الماء المعدني على ماء المنبع وإنما الطريقة و الصيغة التي يباع بها ماء المنبع كماء معدني وما يساعد على إتمام الخدعة هو السعر الموحد بالرغم من أنه ليس موحدًا في مصادر الإنتاج والتعبئة وحتى عند تجار التجزئة وقد سبق وأن نبهت وزارة التجارة إلى هذا الفرق وأهميته في تحديد الأسعار وتبقى تكاليف التعبئة في القارورات هي نفسها سواء بالنسبة للمياه المعدنية أو مياه المنابع . والظاهر أنّ المياه المعدنية ناذرة بالمحلات هذه الأيام، فقليلاً ما نعثر عليها، أما النوع الثاني فهو يفرض نفسه تتمة للحيلة التجارية التي لا يفقهها المستهلك .