استمتع الجمهور الوهراني أول أمس بالعرض العام لمسرحية " وفية " لمخرجيها بن خماسة قدور و عبد القادر بلقايد ، العرض الذي أنتجه مسرح وهران في إطار الذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر ،عرف اقبالا كبيرا من طرف عشاق الفن الرابع الذين توافدوا بكثرة على القاعة لمتابعة أحداث هذه المسرحية التراجيدية ، و الاستمتاع بحيثياتها التي تدور حول قصة فتاة شابة تدعى " وفية " ، هذا الاسم الثوري الذي نقش من ذهب في السجل التاريخي الجزائري ، المنمق بأيقونات ثورية أخرى ساهمت في تحرير البلاد من براثن الاستدمار ، حيث كان اهتمام الحضور واضحا بالآداء التمثيلي لثلة مميزة من الممثلين الذين أبدعوا على الخشبة و أضاؤوا الركح بانفعالات درامية جد مؤثرة ، مجسدين بذلك قصة ثورية ربما لا يعرفها الكثيرون ، وهو ما أثار فضول الكثير من المواطنين الذين أبوا إلا أن يكونوا حاضرين في هذا الموعد الفني الناجح .. " وفية " هو اسم يرمز للوفاء و الإخلاص ..هي قصة بطلة جزائرية بسيطة أدركت أن مقاومة أمة تكتب بأقصى حدود التضحية ، هي ملحمة تروي نضال و كفاح أشخاص دفعوا حياتهم ثمنا لتحقيق الاستقلال و ترسيخ الهوية الوطنية الجزائرية .." وفية " مسرحية تراجيدية مأساوية اجتماعية تاريخية تماما مثلما وصفها الكاتب المسرحي بوزيان بن عاشور الذي تكفل بمراجعة النص للجمهورية ، حيث قال أنهم استوحوا اسم البطلة من قصة المجاهدة " وفية " التي كانت مناضلة في صفوف جبهة التحرير الوطني ، لتلتحق عام 1962 بالمسرح الجهوي لوهران ، وكانت من أهم الفنانات الجزائريات اللائي تألقن على الخشبة .. ومن ضمن المشاهد التي تفتح مجالا للتأويل وتمتحن ثقافة الجمهور ، هي الصفات التي كانت تتسم بها " وفية " التي بدت بلهاء في أول مشهد ، حيث أنها لم تكن تعي ما يقوم به والدها ، و لم تكن تعرف حتى المجاهدين الذين كانوا يزورونهم ليلا قائلة لوالدها " هاذو هوما خوالي راهم يجو عندنا .. !! " الأمر الذي جعل الحضور يتساءلون في البداية كيف لفتاة مثل هذه أن تصبح مجاهدة فيما بعد .. !! ، لكن سرعان ما انجلت الأمور و اتضحت بعد أن فقدت هذه الأخيرة والدها و انغمست في عالم الكفاح و النضال . من جانب آخر أعطى العرض مساحة واسعة للقمع الاستعماري و الأساليب الوحشية التي كان ينتهجها العدو الغاشم ، لاسيما في حق النساء الجزائريات اللائي اغتصبن عنوة وعانين الأمرين بعد قتل رجالهن و أبنائهن , ولجعل المشاهد تبدو أكثر إقناعا و تأثيرا , فقد وظف المخرجان رموزا تخدم المسرحية كاستخدام كالصوف والقشابية ، ومختلف الألبسة التقليدية التي ترمز لأصالة الجزائري وثقافته الشعبية ، ناهيك عن توظيفهما لديكور يعبر بوضوح عن البيئة الثورية التي كان يعيشها الجزائريون وقت الاحتلال ، كما لجآ الى توظيف مزيج من الأدوات الإخراجية كشاشة عرض وموسيقى مسجلة وإضاءة مؤثرة ومناسبة ..الخ ، و كلها آليات قوية في بناء مسرحية ناجحة ومتكاملة ، أما فيما يخص آداء الممثلين فوق الخشبة , فقد نجحت الممثلة الواعدة " زاوش بحرية " التي فرضت تميزها على الخشبة دون منازع مثلها مثل باقي الفنانين على غرار الممثل المسرحي " رارة محمد " الذي جسد دور الأب و الممثلة بلحوسين يامنة في دور الأم ، إضافة إلى كل من هيمور محمد و زابشي فريدة ...الخ ، علما أن المسرحية هي من تأليف الكاتب و المخرج بن خماسة قدور ، و إنتاج مدير المسرح السيد الغوثي عزري ..