قطعت الجزائر منذ 1962 حقبا كبيرة من تاريخها، وشاء الله أن تخرج من كل تجربة مريرة أقوى بكثير مما كانت عليه... فلم تستطع مخلفات الاستعمار وبقايا الفكر الكولونيالي من طمس هويتنا أو توجيه مجتمعنا نحو مبادئ غريبة عنا، ولم يتمكن المد الأحمر من دفع نخبنا إلى التنكر لعروبتنا وأمازيغيتنا وديننا، أو احداث أي شرخ في تماسكنا الاجتماعي، حتى العشرية السوداء لِما جاءت به من دوامة العنف والعنف المضاد توالت عن أنظار الأمة إلى غير رجعة. هذا لا يعني أنه علينا التقاعس في أداء واجبنا! ولكن لن يستطيع أي طرف النيل من صيرورة البناء الوحدوي لوجودنا ككيان " مستقل " على القوى العظمى التعامل معه في القضايا الاقليمية. ويعتقد جل الجزائريين أنه تم استخلاص العبر وما "كان لن يكون..." إن التاريخ بطياته يعلمنا أن المحن هي محك للأمم، إما تَثبت وتستمر وإما تزول. ومعيار أي دولة كانت يكمن في السير الحسن لمؤسساتها وبدواليب سلطاتها، كل على مستواه يؤدي مهامه تحت نظام موحد. والمعروف أنه خلال 50 سنة من الاستقلال وضعت أسس صلبة للبناء الجمهوري للجزائر، مكنها من المضي قدما نحو الاستمرار في الزمن، وتخطي الازمات بشكل يصعب تكرار التجارب المريرة التي عاشها شعبنا، وقد كشفت فترة التسعينيات من القرن الماضي أن مؤسساتنا صمدت ولا تزال تعمل بصورة عادية وهذا في حد ذاته يعتبر مكسبا ثمينا لا يستهان به ولنا أن نفخر ونعتز، وليس لنا أن نطأطئ الرؤوس أو نتناسى الرسالة الخالدة للشهداء: فالوطن وطن الجميع والأرض أرض الجزائريين بكل شرائحهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم، "هذا عقد بين الأجيال" كتب بدماء "الشهداء" ليسعد أبناء الجزائر في وطنهم المفدى... وللأمانة وصدق القول، ليس هذا من جنس الشعارات الواهية، ولا من طينة الخطب الشعبوية الجوفاء، بل هو تطبيقات عملية يسلكها نزهاء هذا الوطن في كل حين، دون الاكتراث لحجم التضحيات أو فتح المجال للخوف من المستقبل، فيد "الإلاه" ستظل بإذن الله حافظة لهذه الأرض المباركة الطاهرة. والجزائر أكبر من المحن...