علي يؤكد أن هم والده كان إخراج الناس من الجهل إلى النور ترقبوا فيلما سينمائيا حول حياة الراحل للمخرج كريم بن غنة " أكتب بالفرنسية وأتكلم بالفرنسية , لأقول للفرنسيين أني لست فرنسياً " .. هي أشهر مقولة عرف بها الأديب الراحل مولود فرعون صاحب رائعة " ابن الفقير " التي ترجمت إلى 20 لغة عالمية ، كيف لنا أن ننسى هذا الرجل الذي واجه معترك الحياة دون خوف أو وجل .. !! ، وتحدى الصعاب ليحافظ على موروث أجداده و ثقافة بلاده .. ، ورغبة منا في معرفة المزيد من التفاصيل حول شخصية الكاتب ، اقتربنا من نجله السيد " علي فرعون " الذي قرر بدوره إكمال ما بدأه والده منذ سنوات ، من خلال إنشاء مؤسسة ثقافية فكرية تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية موروث والده الأدبي والتعريف بأعماله الخالدة للجيل الجديد ، و بصدر رحب كشف لنا هذه الأخير عن أشياء ربما لا يعرفها الكثيرون عن مولود فرعون " الأب " و " الانسان " ، وترجم لنا بوضوح أهداف مؤسسته و نشاطاتها التي ترمي جلها في دائرة تعزيز الفكر الجزائري وحماية الثقافة الجزائرية وتفاصيل أخرى تتابعونها في الحوار التالي :
الجمهورية : قبل الحديث عن مؤسستكم المحترمة و أهدافها السامية ، نرغب فعلا في التعرف على مولود فرعون " الأب " و " الإنسان " ؟ ، ونود أن نقترب أكثر من حياته الشخصية بعيدا عن الكتب و المؤلفات ؟ ، فما هي سيدي التفاصيل الصغيرة التي لا زالت راسخة في ذاكرتكم إلى اليوم ؟ علي فرعون : تميز والدي بالطيبة و التواضع ، أحب بلده و جيرانه و أصدقاءه و كأنهم قطعة من قلبه ، بل من كيانه ككل .. والدي لم يعتريه الغرور يوما رغم شعبيته و تألقه في المجال الفكري و التنموي ، كان انسانا متواضعا و طموحا لم يعرف يوما ما معنى الكلل أو الملل ، شعاره في الحياة هو المقاومة والنضال ضد الجهل و العنصرية ، إرادته زرعت الأمل في قلوب المئات من الجزائريين , لدرجة أنه فتح مؤسسة تعليمية بمنطقته ، كان همه الوحيد هو إخراج الناس من ظلمة الجهل الى نور العلم , فاجتهد لتعليم الأطفال القراءة والكتابة ، و أيضا اهتم بتعليمهم رياضة كرة القدم ، كان مدركا كل الادراك أن التعلم هو السبيل الوحيد لإخراج الناس من الفقر و المأساة ، فأنشأ نظرية فعالة لتعليم التلاميذ أسماها " الصديق الوفي " في الفترة الممتدة بين سنتي 1959 و 1959 ، كان والدي يملك مكتبا بجانب المنزل لا يخرج منه إلا قليلا , يكتب فيه مؤلفاته و كتبه ليلا وصباحا ، كنت أسمعه في كل مرة وهو يحاور والدتي حول ما يكتبه ويأخذ رأيها في أبسط التفاصيل ، كانت تربطه بوالدتي علاقة وطيدة فهي قارئته الاولى في كل ما يخطه على صفحاته البيضاء ، يقرأ لها الروايات الكلاسيكية و النصوص المسرحية و أشياء أخرى جميلة في الأدب لازالت محفورة في ذاكرتي إلى اليوم .. أما فيما يخص علاقتي به ، فقد ترك لي مسؤولية المنزل وأنا في سن العاشرة ليتفرغ هو بالكتابة والتدريس والفلاحة و أمور أخرى ، كنت أحس حينها أني رب البيت وكنت فخورا بذلك رغم ثقل المسؤولية على عاتقي ، وعندما بلغت سن الرابعة عشر بدأ والدي يستشيرني في بعض الكتب التي كان يكتبها للأطفال وكأنه كان يحاول إلهائي عن الحقل السياسي ، و كل ما له علاقة بالثورة التحريرية والحراك الاستعماري ، فالحديث عن الثورة و المحتل الغاشم كان بالنسبة له طابو لا يمكن الخوض فيه مع ابنه ، إذ سمعته في إحدى المرات وهو يقول لوالدتي " الأطفال لا يجب أي يتكلموا عن السياسة " ، لكن هذا لم يمنعن من أن أنقل له أخبار الحرب التي أسمعها في الحي أو ما يتداوله الجيران و الأصدقاء , وهو بدوره يتأكد منها ثم يدونها في مذكراته و كتبه ، ليس أنا فقط بل حتى ابنة الجيران التي لم يتجاوز عمرها آنذاك 12 سنة ، كانت تنقل هي الأخرى لوالدي أخبار الحرب و تحركات الفرنسيين في المنطقة ، وبعد وفاة والدي تكفلت أنا بإصدار الكتب التي لم ينشرها و المذكرات التي كتبها ولم يعلن عنها ..هذا بالتقريب ما يمكن الكشف عنه حول شخصية والدي الأب و الانسان و المناضل ... الجمهورية : أسستم مؤخرا مؤسسة ثقافية تربوية تخليدا للأديب الراحل مولود فرعون ، فما هي سيدي الرسالة الحقيقية التي ترمي إليها مؤسستكم ؟ علي فرعون : " مؤسسة مولود فرعون للثقافة والتربية " كانت في الماضي عبارة عن جمعية قبائلية تأسست عام 1988 بتيزي وزو تحت اسم " دالمولود آيت شعبان مولود " ، قدمت حينها عدة نشاطات فكرية وأدبية ، كما شاركت في تظاهرات ثقافية وطنية ودولية ، نذكر منها مشاركتها القيمة في تظاهرة " سنة الجزائر في فرنسا " عام 2003 , كما شاركت ب " المركز الثقافي الجزائري " بباريس ، و مركزي " بوردو " و " ليون " ، كنت حينها رئيسا شرفيا في الجمعية ، وعلى مدار سنوات ، كنا نحاول جاهدين تأسيس مؤسسة كبيرة خاصة بمولود فرعون , وفكرنا في الأمر بجدية عام 2012 ، وقررنا ألا تكون المؤسسة قبائلية بحت ، أي متمركزة ببلاد القبائل ، بل تكون وطنية لها فروع بمختلف ولايات الوطن ، و بالفعل ، وسعنا مشاركاتنا في عدد كبير من المناطق الجزائرية على غرار العاصمة التي أعلنا فيها أخيرا عن تأسيس " مؤسسة مولود فرعون " ، و اخترنا أن تكون مائوية الراحل الفرصة الحقيقية لتأسيس المؤسسة والإعلان عنها في 26 ماي 2012 ، المؤسسة مكونة من 45 عضو ، وكلهم مثقفين ، أي جامعيين ، أطباء ، صحافيين و مهندسين ...الخ ، لتكون لنا بعدها مشاركات في كل من الواد ، سوق أهراس ، غرداية ، سطيف ...، قدمنا هناك أيام دراسية ناجحة و ملتقيات وطنية وندوات فكرية وغيرها ، نذكر منها اليوم الدراسي الذي نظمناه بالتعاون مع جمعية " الكلمة " بالعاصمة ، أين نشطنا ندوة فكرية ناجحة حضرها عدد كبير من المثقفين و الكتاب الجزائريين ، وقدمنا خلالها فيلما وثائقيا بقاعة "عز الدين مجوبي " دائما حول الراحل . الجمهورية : ما هي أهم الأهداف السامية التي تنشط من أجلها مؤسستكم ؟ علي فرعون : الهدف الأسمى هو إكمال ما بدأه الأديب الراحل مولود فرعون و ايصال رسالته الانسانية الصادقة إلى الجيل الجديد ، كما نهدف أيضا إلى التعريف أكثر بكتاباته الأدبية الراقية التي وصلت إلى العالمية وترجمت الى عدة لغات أجنبية مع الحفاظ على إرثه الفكري الغزير , المؤسسة أيضا تهتم بحماية الإرث الثقافي الجزائري , والتاريخ المعطر بكتابات الراحل الذي عرف عنه احترامه للمجتمع و غيرته على بلده الأم " الجزائر " ، وكذا تشبثه أكثر بتاريخ شعبه العريق ، و جذور أمته الثقافية و الشعبية ، والقارئ بطبيعة الحال يستطيع اكتشاف هذا الأمر في كتبه و مؤلفاته الغنية عن التعريف على غرار كتاب " الدروب الوعرة " ، " الأرض و الدم " ، " ابن الفقير " ، و كلها مؤلفات تتكلم عن المعاناة الجزائرية في الفترة الاستعمارية ، وذلك بالضبط ما نحاول كشفه للعامة انطلاقا من هذه المؤسسة . المؤسسة تضم لحد الآن 15 جمعية تم تأسيسها بعدد من ولايات الوطن ، في انتظار تأسيس جمعيات أخرى بكل من وهران ، سيدي بلعباس ، باتنة ، الواد ، سطيف و مستغانم ..الخ . وليس هذا فحسب ، بل قمنا أيضا بإنشاء نوادي أدبية بكل من العاصمة و تيزي وزو أسميناها " نوادي فوغولو " ، وهي نوادي أدبية موجهة للشباب الجزائري المتعطش إلى نهل المعرفة وتوسيع خياله الفكري والثقافي ، أسست خصيصا للتعريف بالراحل مولود فرعون و تقديم أعماله الابداعية القيمة . الجمهورية : كل مؤسسة تضبط برنامجها الخاص وفق نشاطات معينة , فما هي سيدي أهم المشاركات التي زينتم بها أجندتكم منذ تاريخ التأسيس إلى يومنا هذا ؟ علي فرعون : فور تأسيس المؤسسة ، سطرنا برنامج عمل ثري يضم عدد من الملتقيات الأدبية والمحاضرات الفكرية ، التي من شأنها تسليط الضوء على أعمال الأديب مولود فرعون و حياته الفكرية المعطرة بأنجع الاصدارات و المؤلفات الروائية والنقدية ، المحطات هذه قدمناها في العاصمة وعدد من ولايات الوطن على غرار ولاية تيزي وزو ، القليعة ..الخ ، ففي عام 2012 نظمنا ملتقى بحضور وزارة الثقافة تبلور حول الكاتب " مولود فرعون " ، شارك فيه حوالي 50 خبيرا و مفكرا جاؤوا من مختلف الدول العربية و الأجنبية ، من مصر و المغرب وفرنسا ... الخ . أيضا نظمنا أسبوعا ثقافيا خلال شهر مارس الفارط بالعصمة ومدينة تيزي وزو ، قدمنا حينها محاضرات أدبية وفكرية قيمة ، و أيضا عرضنا أفلاما وثائقية حول الراحل فرعون موقعة من لدن مخرجين جزائريين وفرنسيين . ولأن الشعب الجزائري ثقافته ثقافة عربية أكثر منها فرنسية ، فقد قمنا بترجمة عدد من روايات الراحل إلى العربية ، مثل الرواية الشهيرة " الأرض و الدم " التي ترجمت عن دار النشر " الدار البيضاء " ، كما أننا بصدد ترجمة كتاب " أيام قبائلية " إلى العربية بجامعة العاصمة من طرف السيدة " عباد " ، وهي أستاذة مترجمة متمكنة ، في حين قام الصحفي الفرنسي " جوزيف لانسيلي " بكتابة مؤلف حول مسيرة الراحل مولود فرعون الفكرية ورحلته مع الأدب سيصدر عن دار " بارزاك " للنشر خلال شهر أوت المقبل , وذلك بعد أن نشر مقالات منه يوم 17 ماي الفارط من نفس السنة بباريس ، علما أن هذه الصحفي الفرنسي مولود بمدينة سطيف و من المفترض أن يشارك في معرض الكتاب المقبل بالعاصمة . الجمهورية : بما أنكم تحدثتم عن الترجمة، ألا تعتقدون أن مؤلفات والدكم قد تعرضت للتحريف أو ربما للترجمة الخاطئة من لدن المترجمين ؟ خصوصا أن هذه الإشكالية باتت تشكل هاجسا لدى الكثير من الأدباء عبر مختلف دول العالم؟ علي فرعون : لا أنكر أن مشكل الترجمة يعد من أهم مشاغل المفكرين و الأدباء في وقتنا الحالي , خصوصا في ظل غياب الاحترافية وروح المسؤولية ، وأنا صراحة مستاء من بعض الترجمات التي أثرت على بشكل سلبي على نصوص والدي , فالمساس بجوهر النص و فكرته الاصلية يعد تحريفا مائة بالمائة ، وهذا أمر مؤسف للغاية ، فمثلا رواية " ابن الفقير " الشهيرة التي كتبها سنة 1939 .ترجمت إلى 20 لغة أجنبية كالانجليزية ، الأمريكية ، الفرنسية ، الايطالية ، الاسبانية ...الخ ، وفي كل كتاب نجد أن الترجمة مختلفة ومغايرة ، لكن هذا لا يجعلني طبعا أعمم هذه النظرية على جميع المترجمين ، فأنا أشكر بعض الأسماء التي حافظت على مصداقية النصوص و احترمت الفكرة الرئيسية للكتب المترجمة ، على غرار أحد المترجمين المصريين الذي ترجم " جريدة مولود فرعون " الصادرة عام 1963 إلى العربية ، هذه الترجمة صدرت في جريدة مصرية ثم طبعت في كتاب بمصر أسموه " جريدة مولود فرعون " ، ونحن بدورنا و أقصد هنا مؤسسة "مولود فرعون للثقافة والتربية " سنقوم بنشره هنا بالجزائر قبل شهر سبتمبر المقبل ، ونوزعه بجل المكتبات الوطنية ، هذا إضافة إلى ترجمات صحيحة أخرى مست عدة مؤلفات منها " الدروب الوعرة " الذي ترجمه الشيخ بن عيسى عام 1969 بإشراف من الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، كما أوجه بالمناسبة الشكر الكبير للكاتب الفرنسي " سام " الذي ألف كتابا جديدا عن مولود فرعون ، سنقوم بنشره قريبا ليتم عرضه بالصالون الدولي للكتاب بالعاصمة . الجمهورية : مولود فرعون شخصية فكرية كبيرة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام , وهذا بطبيعة الحال يجعل المسرحيين والسينمائيين يتسابقون لإنتاج نصوصه على الخشبة أو عبر الشاشة الذهبية ، فهل هناك مبادرات من هذا القبيل ؟ علي فرعون : صحيح ما قلته سيدتي ، نصوص مولود فرعون تشكل لا محالة مادة دسمة لمختلف المسرحيين والسينمائيين ، وهذا أمر مثير للانتباه و خطوة هامة للتعريف أكثر بأعمال الراحل وحمايتها من الاندثار والنسيان , الأمر الذي دفعنا كمؤسسة إلى تأسيس " جمعية مسرحية " رفقة المخرج المسرحي و السيناريست الجزائري " حم ملياني " ، تعمل حصريا على تقديم عروض مسرحية جديدة نصوصها مقتبسة من روايات الراحل " مولود فرعون " ، حيث قمنا باقتباس نص عن الحوار الأدبي الشهير الذي دار بين الراحل " مولود" و ألبير كامو " ، وهو عرض كوميدي سيعرض على خشبة المسرح في شهر سبتمبر المقبل ، إضافة إلى نص آخر مقتبس عن رواية " حي الزهور " وهي آخر رواية لفرعون سيقوم بإخراجها على الخشبة المخرج الجزائري " حم ملياني " . وهناك أيضا فرقة مسرحية فرنسية اسمها " المارون على الذاكرة " ، اهتمت هي الأخرى بنصوص والدي واقتبست نص مسرحي عن " جريدة مولود فرعون " لتجسده على الركح . أما فيما يخص السينما ، فهناك عدد كبير من الأفلام الوثائقية التي أنتجت حول حياة الراحل ، نذكر منها الفيلم الذي أخرجه المخرج الجزائري " جيلالي خلاص " عام 2005 بعنوان " حياة مولود فرعون " ، وفيلم آخر مقتبس عن رواية " ابن الفقير " لمولود فرعون أخرجه " علي موزاوي " عام 2010 ، وسننهي قريبا تصوير فيلم سينمائي جديد حول حرب التحرير مقتبس نصه دائما من رواية مولود فرعون سيقوم بإخراجه " كريم بن غنة " .