المخدرات عنوان لموت محقق والتعاطي وإن تنوعت أشكاله وطرق أساليبه فالنتيجة حتمية الجنون أو ينتهي بالمدمن المطاف داخل المستشفيات أو الانتحار فهذه أمور علمها لكن التوعية بمخاطرها أي أنواع المخدرات المنتشرة الآن مازالت قصة في أوساط الشباب بولاية تيارت ومناطقها الشاسعة والمخدرات أخذت مكان لها وإن تقوم مصالح الدرك الوطني والشرطة القضائية بعملها وحتى الجمارك الجزائرية غير أن الوضع هنا لم يتبدل وربما لن يتبدل فالشباب هنا البالغ من العمر 20 و 30 سنة مازالوا ضحية هذه الآفة التي ضربت بقوة داخل المجتمع والذي يوصف أنه تقليدي لكن الواقع يقول غير ذلك بتيارت. ومازالت معاناة الشباب متواصلة دون حلول مسبقة قد تتكفل بهذا المشكل الذي أصبح يؤرق الكثير من العائلات بتيارت وبين هذا وذلك الضحية الأولى الشباب ذكور أو الإناث . الفقر بالقرى والبلديات وراء كثرة المخدرات معروف أن بتيارت 7 بلديات تعد الأفقر عبر كامل الوطن والبطالة ضربت هي الأخرى ووجدت ضحايا الذين يميلون إلى التخدير والبحث عن عالم آخر هروبا من واقع مر تعيشه شريحة شبابية فلا عمل مستقر والأمال قد إنقطعت في مستقبل واعد وبقي الحب عن أمل آخر وسط المخدرات وتعاطي الكيف المعالج أو مختلف الأقراص المهلوسة وإن استدعى ذلك شراءها بأثمان باهظة المهم الابتعاد عن عالمنا وأنت تزور القرى والمناطق النائية يخيل لك أنك في عالم آخر وتشاهد شباب داخل المقاهي بتبادل الحديث لكن ماوراء ذلك وما خفي أعظم تعاطي المخدرات فأغلبيتهم يشتركون في الأمر. الجلوس في ساعات متأخرة من الليل حول سيجارة ملفوفة بالحشيش وقارورة خمر ولا حديث لهم إلا المعاناة والبحث عن العمل والضغط النفسي الممارس والأباء الذين يطالبون أبناءهم دائما وباستمرار للبحث عن لقمة العيش غير أن حجتهم قوية البيروقراطية داخل الإدارات والمحسوبية وفشلهم يترجم في سيجارة كيف أو قرص مهلوس لعله يخفف عنه الآلام التي لم تنته بعد ولن تعرف نهاية أبدا . خلال جولتنا الميدانية بإحدى البلديات الواقعة جنوب الولاية كان لنا حديث مع بعض الشباب من المنطقة وكل واحد منهم همه الذي لن يتخلص منه إلا بالانتحار أو الحرقة وهذا موضوع آخر، والحاجة إلى الشغل أصبح أمر ملح فمعظم البلديات الآن تعرف حركة تجارية بطيئة جدا وغياب المرافق من المتعة أو التعلم بل يفضل أغلبيتهم البقاء في البيوت أو التوجه إلى مقاهي الأحياء بالغابة المجاورة هروبا من أعين الناس والشرطة وكل واحد ممن إلتقيناهم يؤكدون أغلب الشباب مدمنين على المخدرات ويفضلون الاختباء لكن حاملا قطعة من الكيف المعالج والمتعة والبقاء لساعات ولو لوحدك في عزلة عن مشاكل الحياة والحاجة إلى المال فهذه البلدية التي زرناها لا تملك مؤهلات قد تقدمها إلى أبنائها إلا السموم التي يمكن اقتنائها بسهولة وإن تطلب الأمر السرقة أو تدبر حال الشاب ببيع ملابس قديمة بالأسواق أو العمل داخل المطاعم أو المقاهي وغالبا ما تكون الأم هي الشريكة السلبية في هذه المعضلة التي تقدم له المال ولو لشراء قطعة من الكيف قد يتجاوز ثمنها 200 دج وإن لم تكن ذات جودة عالية حسب محدثنا، فالمهم أن تتخدر وتقي يوما أو ساعات من الزمن في عالم آخر واعتبر ذات المتحدث أنه في الآونة الأخيرة وإثر تدخلات الشرطة وتوقيف العديد من المشتبه بهم فإن المروجين أخذوا الحيطة والحذر وعدم التعرض للتوقيف من طرف المصالح المختصة ، فالمروج في أغلب البلديات والدواوير يقلل الحركة والتنقل ويختار فقط التعامل مع الزبائن المعهودين له، وإن تكون كمية الكيف التي يتم ترويجها عبر إقليم الولاية قليلة مقارنة بالأعوام الماضية إلى أن الطلب زاد عليها إلى درجة أن الشباب الآن يفضلون التوجه إلى عاصمة الولاية بحثا عن قطعة المخدرات وهذا معروف لدى المدمنون، الذين يفضلون أغلبيتهم تعاطيها والابتعاد عن الأقراص المهلوسة التي تباع أكثر بمدينة تيارت، وبعض الدوائر التي يفضلها الآخرين في عمليات الإعتداءات والسرقة لأنها محفز أكثر لذلك، وإن اقتضى الأمر القتل أو ارتكاب جريمة في حق مواطن بريء. واقع وصفه لنا محدثنا بالمر أكثر، فاستهلاك المخدرات أخذ أبعاد خطيرة فالشباب هنا قد كره الوضع أكثر وسئم من الوعود التي يطلقها العديد من أصحاب القرار هنا بتيارت وقد حط برحاله وهذا أمر لا يمكن إخفائه والكل يعلم ذلك ولكن ما عساه أن يفعل شباب هذه المناطق، التي مازالت تتخبط في عزلة عن العالم الخارجي، لغياب برامج تنموية فاعلة قد تخرج هذه الشريحة التي لا حولة ولا قوة لها من أخطبوط المخدرات. وبالمقابل فإن نداء شباب البلديات قد لا يلقى صدى لدى السلطات المسؤولة ففرص العمل تكاد تنعدم وإن يتوجه أغلبيتهم إلى بيع السجائر والحلويات والفواكه والخضر ليبقى النصف الآخر من الشباب يحمل ملفاته ويتخبط بين عقود ما قبل التشغيل والإدماج ضمن الشبكات الاجتماعية مما دفع بهم إلى اختيار طريق آخر وإن في ظنهم حل بديل أو مؤقت وهو المخدرات وبكل أنواعها. ليجد الشباب نفسه في دوامة لا يخرج منها أبدا وينتهي المطاف كما ذكر سابقا إلى الجنون وهذا مثال ينطبق على شاب لا يتجاوز الثلاثين سنة من العمر يقطن بدائرة فرندة أصيب بمرض عقلي بعد أن داوم على تعاطي المخدرات منذ سنوات عديدة بعد فشله في الدراسات الجامعية عرج نحو التعاطي وهو يعيش الآن حياة التشرد، ولا نذهب بعيدا فبدائرة السوقر شاب آخر يقال عنه أنه لم يستكمل دراساته في الطب بجامعة سيدي بلعباس وتمادى كثيرا في تعاطي الكيف فوجد نفسه هو الآخر قد انغمس في عالم المخدرات ثم التشرد والعيش بالشوارع والأدهى والأمر أنه يقدم وصفات طبية أو نصائح مقابل فنجان قهوة أو دنانير وقد وصل به الأمر في البداية أنه قام بسرقة أجهزة من المنزل وحتى ملابسه لم تسلم لشراء قطع من الكيف والجو العام من جهة أخرى بهذه المناطق من البلديات خاصة خلال فصل الصيف أين تنعدم الحركة وارتفاع درجة الحرارة والبطالة الشبح الذي يخافه الكثيرين من الشباب يدفع بهم إلى عالم المخدرات وبكل الوسائل والطرق وان تطلب الأمر السطو على المنازل والسرقة. ومن جهة ثانية حسب محدثنا الذي لم يشأ ان يفصح عن هويته فإنه يوجه أصابع الاتهام إلى بعض الصيدليات المتواجدة عبر تراب الولاية دون ان يذكر بالتحديد مواقعهم أنهم متورطون في قضايا بيع الأقراص المهلوسة للكثير من المروجين الذين يتعاملون معهم شريطة بيعها بالدوائر والبلديات والمناطق البعيدة وهذا بعيدا عن أعين الشرطة وحسبما علمنا فإنه تم توقيف في 20 مارس الفارط شاب ينحدر من بلدية فرندة وبحوزته 30.000 قرص مهلوس وقد قام بجلبها من صيدلي بمدينة تيارت وتم توقيف الشريك بعد ذلك وبعد إحالتهما على المحاكمة صدرت أحكام تتراوح بين 15 و 20 سنة سجنا نافذة ، وهذا ما يوحي جليا تورط المروجين مع بائعي الأدوية كما يصطلح هنا ببلدية تيارت، في قضايا تمس العام وصحة الشباب الذين استنفذوا طاقاتهم فقط في المخدرات وما لها من عواقب قد لا يحمد عقباها على صحة المتعاطي لهذه السموم القاتلة وكذا إضعاف القدرة المالية التي تصرف عليها أموال طائلة ولا لسبب إلا التخدير والبحث عن عالم آخر قد ينسيه ما يعانيه فالسبب واضح هنا والمعاناة متواصلة لشباب في مقتبل العمر في ظل غياب اهتمام أب الأسرة الذي يبقى منشغلا بعمله وتوفير لقمة العيش للأسرة والأم غالبا ما تتستر هنا ولا يمكن لها أن تبوح أو تفشي سر الإبن لأنه مدمن خوفا من نتائج ذلك وإن أغلب السكان في علم مسبق بذلك ، فلا أحد يتدخل فهذا أمر قد يخصه فقط لوحده ويتحمل مسؤولية ذلك ولا يمكن أرشاده أو إرغامه على التوقف من الإدمان. أكثر من 3 حالات يومية في استعجالات الأمراض النفسية أفادت طبيبة مختصة بمستشفى الأمراض النفسية والعقلية أن المصلحة تستقبل يوميا 03 حالات من الشباب المدمنين يقدم لهم العلاج الطبي وغالبا ما يتم توجيههم بعد ذلك إلى مختصين أو مركز الإقلاع عن الإدمان لكن غياب الإمكانيات والحس المدني لهؤلاء الشباب قد ينقص الحظوظ من علاجهم فالاستعجالات تقدم فقط علاج طبي مؤقت لكن هذا غير كاف ويرجع إلى عوامل منها نقص التجهيزات والأطباء النفسانيين وإن تم وضع خط أخضر لصالح المواطنين يستقبل المكالمات أطباء مختصين من شباب مدمنين قصد توجيههم فقط نحو العلاج اللازم وهذا ما اعتبرته محدثتنا أيضا بالأمر الناقص والغير مجدي ذلك أن أغلب الشباب المدمن يتردد كثيرا في التوجه إلى المستشفيات طلبا للعلاج خوفا من الآخرين وبالتالي فإن سره قد لا يبقى في هذا المستوى أو مخفة أن يتم توقيفه من قبل مصالح الأمن ومطالبته بمصدر الكيف. وأكدت محدثتنا أن أغلب الحالات المرضية بتيارت هي تتعلق بالكيف المعالج والإدمان والعمل داخل المصلحة الطبية يتم حاليا حسب إمكانيات محتشمة ومحدودة لكن الإرادة متوفرة لدى الطاقم الطبي. وفي سياق متصل فإن الطبيبة المختصة تؤكد في حديثها أن أكثر من 60% من الشباب بتيارت لم يتجاوز أعمارهم 30سنة يتعاطونا الكيف المعالج والأقراص المهلوسة وتبقى نسب قليلة جدا ومحدودة تتعلق باستنشاق الغراء ومواد كمياوية خطيرة جدا والتي تبقى في متناول شرائح معينة كالأطفال والمتشردين والأشخاص بدون مأوى فالأطفال خصيصا حسب الطبيبة لم يسلكوا من هذه الظاهرة واستنشاق مواد قاتلة فأغلبيتهم ينحدون من عائلات فقيرة أو فروا من منازلهم فوجدوا أنفسهم يتخبطون في مشاكل أخرى هم في غنى عنها. وترى الطبيبة النفسانية أن المشكل هنا هو البطالة والتهميش والإقصاء داخل المجتمع وتراجع فرص العمل والنجاح أو تكوين أسرة أو الحلم بالزواج فلا أحد يهتم بالآخر وهذا أمر اعتبرته المختصة أن الجميع يعلمه ويسكت عليه ووصفت الوضع بأنه خطير ولابد من التدخل فالشباب في خطر ويتربصهم موت حقيقي وفي صمت وواجب التدخل أصبح ملحا وضروريا ليس فقط في المناسبات التي يتم فيها رفع الشعارات وتنظيم ندوات فكرية وطبية حول المخدرات فهذا أمر اعتبرته بالسخيف فلا بد للجميع أن ينزل للميدان ومتابعة الوضع عن قرب والاقتراب من الشباب الهالك الذي يقول أنه لم يبق له شيىء هنا بالولاية، والتي أصبحت لا توفر فرص عمل مستقرة وبقي الهروب إلى (الزطلة) والأقراص المهلوسة هو الأقرب إليه فالعائلة قد تخلت عنه وبصفة نهائية وهو يرى أن آخرين قد نجحوا في انجاز مشاريع مهمة وضمنوا البقاء والعيش الكريم وبالنسبة إليه هو الموت أو الجنون أو التشرد المحتم فلا يمكن لأي شخص طبيعي تضيف المختصة أن يتحكم في أعصابه أو في هدوئه مادام يعيش تحت دائرة الفقر والحاجة الماسة إلى حياة كريمة وتغاضي جهات عن القيام بمسؤولياتهم تجاه هذا الشاب مما قد يولد له شعور بأنه غريب داخل مجتمعه فينسلخ عن أبناء جلدته فالحل هو المخدرات أو غيرها من مواد أخرى قد تنسيه عالمه وتدخله في عالم قد يظنه أنه الأحسن فيجد نفسه متورطا في السرقات بالأسلحة البيضاء والقتل دون أن يشعر بذلك وينتهي به المطاف في السجن . حجز 5 قناطير خلال عملية واحدة و90 كيلوغرام في 2012 في عملية واحدة قامت بها مؤخرا مصالح الجمارك التابعة لدائرة السوقر في حاجز أمني بطريق بلدية مهدية تم حجز ما يعادل 05 قناطير من الكيف المعالج مخبأة داخل التمر محمل في شاحنة تبريد متوجهة إلى مدينة ورقلة وأشارت أرقام الدرك الوطني بتيارت أنها عالجت 30 قضية وتوقيف 48 شخصا خلال 2012 مع حجز 90 كلغ وأغلب الموقوفين من الشباب . أما مصلحة الشرطة القضائية فقد عالجت خلال ماي المنصرم 14 قضية تتعلق بالمخدرات وتوقيف 19 شخصا وحجز 3 كلغ من الكيف المعالج و12 قرصا مهلوسا وهذا ما يوحي أن مصالح الأمن بتيارت ضرب بقوة مما يجعل بارونات المخدرات يتخذون كامل الحيطة والحذر، ونشير هنا أن مصدر أمني أكد أن تيارت هي الآن مركز عبور للمخدرات نحو الجنوب الكبير أو المناطق الحدودية الشرقية ويختار المهربون مناطق نائية لا يمكن التحكم فيها أو تغيب فيها المراقبة من قبل المصالح الأمنية كطريق مهدية الصحراوي أو مسالك أخرى لكن مصالح الأمن هي الآن بالمرصاد وتفطنت لحيل كثيرة ويبقى الحاجز الأكبر الآن هو كثرة المروجين ويصعب غالبا التعرف عليهم لذا يتم اعتماد إستراتيجية حجز كميات من المخدرات قصد القضاء عليها لكن تبقى العمليات التي تقوم بها المصالح الأمنية من المداهمات ذات فعلية في غالب الأحيان أو حجز السموم داخل المنازل بالمدن أو القرى وهذا ما يقلص من حظوظ المروجين الذين يحاولون التملص من الشرطة باستخدام شتى الوسائل والحيل كعدم الكشف عن مناطق بيع الكيف المعالج والابتعاد عن أعين البوليس، وكذا اختيار أحياء ساخنة للترويج كحي المكسيك المجاور بالمقبرة القديمة بعاصمة الولاية الذي يعتبر من الأحياء المفضلة للمروجين وبالمقابل فإن مصالح الأمن مازالت تكثف دورياتها وعمليات التفتيش للأشخاص خاصة في فترات الليل بحثا عن الكيف المعالج وهو ما أدى بالكثير من المستهلكين بالمكوث داخل بيوتهم وتجنب الوقوع في ورطة. خالد 34 سنة... سنوات من الإدمان خالد الشاب البالغ من العمر 34 سنة حلاق ، تحدث إلينا عن مشكلته مع الكيف ، فمنذ العشرين سنة وهو يتعاطى المخدرات ولم يتمكن من الإقلاع منها وهذا لأسباب اجتماعية فبسبب الكيف انفصل عن زوجته منذ أربع سنوات بعد أن أرغمته والدته بالارتباط بها وانتهت الأمور بالانفصال ذلك بعد أن إزدان في فراش العائلة بمولود لكن زوجته طالبته بالتوقف عن الإدمان والعمل في محل والده بعد أن خلفه ، لكن خالد حاول ولم يستطع فقد أكد لنا أنه يمكن له أن يشتري قطع من الكيف في اليوم الواحد بأثمان تتجاوز 400 دج ويفضل أن يتخلى عن شراء الحليب لابنه أو الخبز ومع هذا لم يستطع أن يتوقف فاختارت زوجته الطلاق، فوافق على ذلك دون تردد ووالدته الآن تهتم بابنه بعد أن تزوجت طليقته وهي الآن تعيش بضواحي الجلفة، خالد وحسب كلامه هو نادم على فعلته هذه وكم من مرة فكر في العلاج لكن دون جدوى وهو الآن مدمن ولم يقرر التوقف عن ذلك، فالإدمان قد تخطى حدوده مع خالد والمخدرات تتحكم فيه الآن وربما في يوم ما يمكن له أن يتوجه لطبيب نفساني ويروي له معاناته اليومية من فقدان الشهية والنسيان والعجز عن النوم كلها أمورا ربما قد تتسبب في موته على حد قوله وأكد خالد أنه هناك حالات تعاني من الإدمان ولا يمكن لها أن تتعافى في ظل غياب التوعية المستمرة وبقى البكاء على الأطلال في ظل غياب التوعية المستمرة والحلول مازالت غائبة إلى حين.