أيقظ مهرجان الأغنية الوهرانية سكان الباهية وزوارها من سباتهم العميق وقضى نسبيا على روتين يومياتهم الممل ولا حديث هذه الأيام إلا على فعاليات المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية في طبعته الثالثة وعن ليالي السمر والسهر والاستمتاع بالنغم الأصيل بمسرح الهواء الطلق المرحوم حسني شقرون، عائلات من كل مكان وتوافد جماهيري غفير لقضاء ساعات مع الكلمة المعبرة والأغنية الصادقة مع روائع المرحوم أحمد وهبي والفنان القدير بلاوي الهواري. الجمهورية غاصت في وسط الجماهير الحاضرة وحاورت العديد من المتواجدين ليلا ونقلت انطباعاتهم وانشغالاتهم وآمالهم وأيضا معاناتهم فكانت الكلمة للعائلات وللعجائز، للشيوخ وللشباب بين ترديد للمقاطع ورقص متواصل سرقنا من لحظات متعتهم دقائق لمحاورتهم. جمهور من ذهب والشباب ذواق للنغمة الأصيلة يجمع كل من يحضر ليالي المهرجان على أن الجمهور الحاضر بمختلف فئاته العمرية وتباعد مناطق إقامته بأنه جمهور متميز ونوعي وبالإضافة إلى تواجد العائلات وكبار السن من كلا الجنسين إلا أن المفاجأة (لمن يعدها كذلك) هو الحضور القوي لعنصر الشباب الذي قيل عنه الكثير إلى درجة أن البعض من ضعاف النفوس قد راهنوا على مقاطعته لفعاليات الأغنية الأصيلة واهتمامه بالراي والفن الهابط لكن لقد قطعت جهينة قول كل خطيب ، كما يقول المثل العربي وشاهدنا مجموعات كبيرة من الشباب بأعلامها الوطنية ترقص وتتفاعل وتصفق على الفنانين وحتى المتسابقين ووقفوا جميعا في تحية تقدير للفنانة حورية بابا خاصة بعد أدائها لأغنية »إنحبكم يا أولاد بلادي« وكمال من سان بيار صاحب ال 21 ربيعا يتأسف عن عدم معرفته المسبقة لهذه الأغاني ويتساءل بدوره عن سر اختفاء هذه الأصوات الجميلة وتغييبها أما خديجة من سيدي بلعباس تركت مهرجان الراي وفضلت القدوم مع زوجها وابنتيها إلى وهران كل ليلة للإستمتاع بروائع الفن الأصيل أخبرتنا بأن المشكلة تكمن في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة خاصة والتي تعمل على تشجيع الرداءة وتحاصر الأعمال الجيدة كيف لشاب في العشرين من العمر أن يعرف الأغنية الوهرانية الأصيلة وهو لا يسمع ولا يرى أعمال الراحل أحمد وهبي أو أحمد صابر، بن زرقة وغيرهم، الفنان بلاوي الهواري ما زال قادرا على العطاء لكن بحجة المرض الكل تخلى عنه. أما مسعود من ورڤلة الذي وجدناه يرقص على أنغام الشاب عباس فأخبرنا بأنه في عطلته الصيفية بمخيم البريد والمواصلات بالأندلسيات وأنه سمع عن المهرجان من خلال إذاعة وهران وقرر الحضور في كل ليلة مع أفراد عائلته وأنه معجب كثيرا بكرم الوهرانيين وحسن ضيافتهم، أما الشاب هواري درار شاعر من المبتدئين له صوت جميل فهو يرد على كل المشككين في اهتمام الشباب بالطابع الأصيل وأنه يعشق الأغاني القديمة رغم صغر سنه وعن موجة الإقبال المتزايد للشباب سألنا الأستاذ الملحن القدير قويدر بوزيان فأخبرنا أنها ظاهرة صحية وأن ذلك معناه أن الشباب الوهراني يمتلك آذانا نقية وأنه ذواق للنغمة الأصيلة وأن مستقبل الأغنية الوهرانية التراثية بألف خير. نقائص تم إستدراكها والنقل مشكلة كبرى من خلال استجوابنا للعشرات من العائلات والحاضرين من الشباب والمدعوين وفي السهرة الثالثة تم استدراك العديد من النقائص والهفوات الطفيفة التي لم تؤثر كثيرا على سير المهرجان لكنها كانت ظاهرة للعيان منها رداءة الصوت حيث رغم الأجهزة الإلكترونية والرقمية الموجودة والمكانة التي يحتلها التقنيون القادمون من الجزائر العاصمة إلا أن مخارج الصوت كانت ضعيفة ورديئة إلى درجة أن ولدت نفور الحاضرين وأزعجت محافظة المهرجان لكن الأمور تغيرت في الليلة الثالثة بالإضافة إلى الإرتجالية في الإلقاء أحيانا وعدم التقيد بالتوقيت المحدد لكل فنان على الركح وهفوات تمت الإشارة إليها وعمل المكلفون على تفاديها في الليالي الأخيرة. أما أكبر معضلة لازالت تؤرقت الجمهور هي تلك المتعلقة بإنعدام توفر وسائل النقل الجماعي والطاكسيات عند الإنتهاء من الحفل وعند منتصف الليل نلاحظ في كل مرة مجموعات من المتفرجين من الشباب ومن العائلات متواجدين عند مواقف الحافلات وعلى الأرصفة ينتظرون عابر سبيل لينقلهم إلى منازلهم وكثيرا من شاهدنا أعدادا منهم تسير راجلة وتنظر يمينا وشمالا وقفنا عندهم وسألنا بعضهم فكانت الإجابة واحدة أين هي السلطات ومديريات النقل ومسؤولي البلديات أين هي الخدمة العمومية؟ وبدورنا نضيف لهذه التساولات. كيف يمكن لنا أن نتكلم عن تنشيط المدينة ليلا ولا نوفر وسائل النقل أو ليس من العيب أن تجد مدينة مثل الباهية خاوية على عروشها في منتصف الليل وفي الصيف بينما تسهر قرى ومداشر أخرى إلى غاية الصبح؟