وهران الساحرة، عروس البحر المتوسط، مدينة الآثار ، التاريخ ، الباهية الساحرة التي طالما ألهبت مشاعر الفنانين وألهمت مخيلة المبدعين حيث داعبت خيال الشاعر وقلم الكاتب وريشة الرسام، تعيش فرحة إحتضانها لمهرجان طالما حلم به فطاحلة النغمة الوهرانيةالأصيلة ، هذا المكسب الثقافي ضاعف سعادة الفنانين لكونهم استرجعوا ذكريات الماضي واستحضروا قعدات الطحطاحة وتنقلات »الڤوال« وقصايد الشيوخ حمادة وبن زرڤة، وروائع أحمد وهبي وأحمد صابر وجديد بلاوي الهواري، دون أن ننسى الخالدي وصباح الصغيرة وغيرهم ممن تركوا لنا تراثا فنيا لا يستهان به والأغنية الوهرانية لها جذور ممتدة في عمق أصالة فن أهلها منذ القدم ولها أجنحة طار بها روادها إلى مشارف الأرض ومغاربها نجوم أضاءت سماء الطرب العربي وسجلت ذلك في ذاكرتها الفنية، جذور... وأجنحة أو حكاية بداية المهرجان المحلي للموسيقي والأغنية الوهرانية وقبل انطلاق طبعته الثالثة بساعات أردنا أن نسبح في فضاء الزمن وأن نعود قليلا إلى الوراء إلى ميلاد هذه التظاهرة وإلى حوصلة عن أهم المحطات في الطبعتين الأولى والثانية مثلما هو مدون في نشريات المحافظة المختلفة. الطبعة الأولى في 2008 بلاوي الهواري يعانق أحمد وهبي من جديد في الفترة من 16 إلى 25 أكتوبر 2008 وبقصر الرياضة حمو بوتليليس بالمدينة الجديدة انطلقت صرخة ميلاد مهرجان الأغنية الوهرانيةالأصيلة ورغم حداثته إلا أنه ولد كبيرا ولقي صدى قويا شارك فيه المبتدؤون واحتضنه الفنانون وكان فرصة للتواصل بين مختلف الأجيال الفنية إفتتحته وزيرة الثقافة خليدة تومي وقالت فيه بأنه واحد من المهرجانات المتعددة التي رسّمتها الوزارة بمختلف جهات الوطن لترقية الفن بهدف الحفاظ على التراث الجزائري وتثمينه والعودة إلى جذور الأغنية الوهرانيةالأصيلة وهو فرصة للشباب لكي يبرزوا مواهبهم ويخلفوا العظماء الذين سبقوهم وسينجح لأنه رغبة صادقة للفنان الراحل العملاق أحمد وهبي، وستكون هذه الطبعة فرصة أيضا لجمع جيل العمداء مع الجيل الجديد من الشباب العاشق للطرب الوهراني الأصيل وفي مسابقة تعيد لهذا الطبع مكانته وللفنانين قيمتهم واعتبارهم فيما دعا الوالي السيد الطاهر سكران إلى تثمين الثقافة الهادفة والفن البناء في تشكيل شخصية الإنسان وبناء على معاينته لما آل إليه وضع التراث الوهراني شعرا وموسيقى من تناس وانحراف وما يعانيه أهل الفن النظيف من تهميش وإقصاء ومن خلال تحسسه لمطالب الوهرانيينالأصيلة لما تلعبه من دور في تربية الذوق وتهذيب النفوس بنشر القيم الفاضلة وربط الأجيال بماضيها المشع المجيد ثم العزم على تحقيق هذه الأمنية بمعية أصحاب النوابا الحسنة ، وبدورها تكلمت السيدة ربيعة موساوي محافظة المهرجان عن ابتهاجها بإنطلاق طبعته الأولى قائلة: وأخيرا تحقق ما إنتظرناه طويلا فلنعش عرسنا الثقافي البهيج وما هذه إلا بداية لمشروع فني واعد لترقية الموسيقى وبعثها وانتشارها هذه التظاهرة تعد تثمينا للتراث الوهراني الأصيل وتفعيلا للطاقات والمواهب الوهرانية وضمانا لديمومة التواصل بين الأجيال بعد زيغ وانحراف لن نرضاهما لشبيبتنا ولسوف ننهل من غيث غزيز بعد قحط فني عمر ومع الأسف طويلا. أما عميد الأغنية الوهرانية حاليا الفنان القدير الأستاذ بلاوي الهواري فكانت فرحته لا توصف وهو الذي عايش وعاشر المرحوم أحمد وهبي وطالما حلما معا بمثل هذا المهرجان فجاءت كلمته عند الإفتتاح معبرة ومؤثرة حيث قال بأنه جد سعيد بهذه التظاهرة التي ستعيد للأغنية الوهرانية قدرها وعزها الذي بدأ يتلاشى شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة ومثلما ضحى في سبيل بعث الأغنية الوهرانية والنهوض بها طيلة خمسة عقود فما زال على استعداد دائم لتقديم المزيد من الإنتاج وهو متوفر وينتظر فقط من يدعمه ويخرجه إلى الوجود وهو يخاف على ضياع منتوجه الفني والفكري وأن يسجل ذكرياته وتطبع أعماله وهو على قيد الحياة كما دعا الجميع إلى التعاون لإعطاء وهران دفعا ثقافيا وفنيا جديدا وأصيلا وأن يجد الخلف ما أبدع فيه السلف. وعلى مدار خمسة أيام بلياليها جرت فعاليات الطبعة الأولى وكانت متنوعة، معارض ومحاضرات، بسهرات واستعراضات و زارت وزيرة الثقافة خليدة تومي مختلف نقاط العرض وخمس محاضرات ومداخلات قيّمة نشطها مجموعة من الأساتذة والباحثين في تاريخ الموسيقى والأغنية الوهرانية بدار الثقافة »زدور ابراهيم« منها الكاتبة بن ستي هوارية التي خصصت مداخلتها لإبراز معلم من معالم مدينة وهران ألا وهو معلم »سيدي الهواري« بينما تحدث الأستاذ عبد الله طموح كاتب كلمات عن دور الفنانين أحمد وهبي وبلاوي الهواري في بعث الأغنية الوهرانيةالأصيلة. وبالموازاة مع المهرجان تم برمجة موائد مستديرة على مستوى الإذاعة الجهوية الباهية وتحدث الشاعر مكي نونة والأستاذ نجاح عن الشعر الشعبي بالمنطقة الغربية وعلاقته بالأغنية الوهرانية وتطرق الباي بكاي والشاعر الأندلوسي بلهبيري إلى أصل الأغنية الوهرانية وعن عراقة وتاريخ الأغنية الوهرانيةالأصيلة منذ ميلادها على يد روادها وصولا إلى الزمن الحاضر ولقد تناولت المحاضرات والموائد المستديرة المبرمجة الجانب التاريخي والسوسيو ثقافي والبعد الحضاري للموروث الثقافي والفني المحلي ومن بين الأصوات الشابة التي سطعت في هذه الطبعة المتألقة أمال عتبي والشاب عايدة عدة ورفاس عمر. الطبعة الثانية في 2009: إبن زرڤة وأحمد صابر يعودان من بعيد بعد بداية أولى وتجربة حديثة وتكامل في العمل تم تدارك النقائص الملاحظة منها تغيير توقيت المهرجان من شهر أكتوبر إلى الفترة الصيفية وانطلقت فعالياته من 26 إلى 31 أوت ، وبتغيير مكانه من قصر الرياضة إلى مسرح الهواء الطلق المرحوم حسني شقرون حيث توافدت العائلات وسهر القادمون من مختلف الولايات إلى غاية ساعات متأخرة من الليل وكان المهرجان بحق البدر الذي أضاء ليالي الباهية وأخرج أهلها وزوارها من روتين ممل وتزامن تنظيمه مع إنتصارات المنتخب الوطني لكرة القدم فحضرت الأعلام والرايات ورقص الجميع على أنغام الأغنية البدوية والوهرانيةالأصيلة وعلى هتافات »وان .تو. ثري فيفا لالجيري« وكانت الباهية ملتقى للفن والإبداع وإستقبلت ضيوف شرف من مختلف مناطق الوطن كالفنان سمير السطايفي، والفنان ديب العياشي وغيرهما وشهدت نفس التحضيرات والفعاليات، محاضرات وندوات وليالي للسهر والسمر والمسابقة وقد صعد المتوّجون في الطبعة الأولى على الركح لتقديم وصلات غنائية وبدعوتهم للعودة مجددا للمهرجان دليل على التواصل الموجودي بين إدارة المهرجان ومتسابقيه وأن العلاقة لا تنتهي عند حفل الإختتام ، كما تم تسجيل عدة مواهب جديدة وأهم ما ميّز هذه الطبعة هو جنيريك المهرجان الذي لحنه وأشرف عليه الأستاذ بلاوي الهواري الذي تحدى حالته الصعبة ووقف على الركح وهو يسير الكورال والفرقة الموسيقية، وقفة أبهرت الجميع وأدرك حينها الكل بأن الإبداع لا يموت وأن بلاوي الهواري سيظل كبيرا مهما كان عمره ليالي ذهبت مسرعة كالحلم الجميل نتمنى أن تعود في هذه الطبعة الثالثة والتي ينتظر منها أهل وهران وضيوفها الكثير خاصة مع دخول أسماء فنية شبانية معروفة كالشاب رضا وقاديرو والشابة خيرة أغاني تراثية وهرانيةأصيلة وستكون فرصة لهؤلاء الفنانين للتواصل مع أسلافهم وتذوق حلاوة الفن الأصيل وقد يكون ذلك في يوم ما حافزا لهؤلاء في المضي قدما بالأغنية الوهرانيةالأصيلة وإتمام المشوار على خطى الراحل أحمد وهبي وتحقيق أمنيته مرة أخرى في مشاهدة شباب وهران يعيدون أغانيه.