التيمة من ظلال الثورة إلى الواقع الاجتماعي عايشت القصة الجزائرية،المكتوبة بالعربية،واقع الشعب الجزائري سواء في فترة ما قبل الاستقلال أو بعده،ولعل ملامحها الفنية والموضوعاتية،تبدو أكثر نضجا وثراء بعد الاستقلال. وهي القصة التي سوف نعرض لجوانبها التيمية والفنية،أي جانبي الشكل والمضمون،حتى نبرز معالمها العامة،كما سنركز أكثر على القصة الجزائرية التي ظهرت في العقود الثلاثة الأولى بعد الاستقلال،كونها النواة الحقيقية لفن القصة وهي التي تدرَّجت نحو الاكتمال الفني،حيث ولدت الرواية الجزائرية ونمت،كما اكتملت القصة القصيرة فنيا وتطورت؛إذ بدت أكثر نضجا في فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي،وبعد هذه الفترة سوف تأخذ القصة القصيرة،على الخصوص، اتجاهات جديدة؛ يمكن دراستها على حدة. تؤكد أهم الدراسات النقدية أن السمة الغالبة على القصة الجزائرية،في هذه الفترة،هي سمة الواقعية من الجانب الفني،والاتجاه الثوري من الجانب الموضوعاتي،فالواقعية الفنية عكست الواقع الثوري للجزائر؛خاصة والشعب الجزائري يخرج من ثورة تحريرية ظافرة؛ فبالتأكيد سيكون لهذه الثورة الصدى الأقوى في الأدب الجزائري،وهو ما احتوته القصة الجزائرية إبان الثورة وبعدها، لذا نجد أن هناك مجموعات قصصية قد أوقفت كل موضوعاتها على الثورة التحريرية؛ كمجموعة "نفوس ثائرة" للكاتب عبد الله الركيبي،وكذلك مجموعة"الطعنات" للكاتب الطاهر وطار، هذه المجموعة التي تعتبر صور حية عن الحقيقة التاريخية للثورة التحريرية، مثلما هي عليه قصته المعروفة؛((اللاز)).ومن جيل الاستقلال نقرأ للقاص؛"الجيلالي خلاص" مجموعته القصصية "نهاية المطاف بيديك" وفيها مجموعة من القصص الثورية نذكر منها قصة؛(كوخ التبن) وكذلك الأمر بالنسبة لبقية كُتّاب هذا الجيل خاصة في مجموعاتهم القصصية الأولى؛ ونذكر منهم الكتاب:مرزاق بقطاش،عمار بلحسن،الجيلالي خلاص،الحبيب السائح، بشير خلف، أحمد منور، وعبد العزيز بوشفيرات وغيرهم. أما الاتجاه الثاني البارز في القصة،فهو الاتجاه الاجتماعي،هذا الاتجاه الذي يعتبر مكملا للاتجاه الأول،على اعتبار أنه إفراز لثورة الشعب الجزائري على الاستعمار أولا،ثم على الواقع المعيشي الذي يسعى المجتمع للارتقاء به ثانية. ففي قصص "عبد الحميد بن هدوقة" نلمس واقعا اجتماعيا بارزا؛ كما في قصة(الأغنية اللعينة) من مجموعته((الكاتب)) حيث تعرض القصة ظاهرة حياة الوحدة والعزوبة وكيف يمكن أن تتغير بالإقدام على الزواج،مثلما تحكي لنا قصته المعروفة:(( ريح الجنوب)) على التحولات الاجتماعية والحضرية للمجتمع الجزائري غداة الاستقلال. وتحدثنا قصص الكاتب "أحمد منور"عن حراك المجتمع نحو تحسين مستوى معيشته،والاعتماد على الطبقة العاملة، في مجموعته القصصية ((الصداع)). وفي قصة :(الوجه البشع) يعرض الكاتب "بشير خلف" لقضية وطنية واجتماعية ثقافية،كان لها صداها في تلك الفترة وهي قضية التعريب؛ الذي شمل الإدارات ومؤسسات الحكومة في تلك الفترة،كما يرسم لنا القاص "الحبيب السائح" صورة اجتماعية سيّئة للطبقة الفقيرة،ومعاناتها اليومية مع لقمة العيش؛ وذلك من خلال قصة(الحمّال) من مجموعته القصصية ((القرار)) ومن المواضيع الاجتماعية الأخرى نذكر موضوع الهجرة إلى فرنسا كما في قصة(ثمن الجوع) من مجموعة "العيد بن عروس" ((انأ والشمس))،كما عرضت القصة الجزائرية في هذه الفترة لآفة الإقطاع التي تقف ضد مصالح الفلاحين،كما في قصة(أخاديد على وجه الزمن) لبشير خلف،كما تناولت القصة العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية كالرشوة والمحسوبية،والبطالة وما إلى ذلك. أما المحور الثالث الذي تضمنته القصة الجزائرية فهو البعد العربي أو الانتماء القومي كتِيمة وتوجُّه في القصة، يقول الدكتور محمد مصايف:((أكثر ما اهتم به القاص الجزائري هو الإنسان العربي في آماله وآلامه، وفي محنته عقب كل حرب يخوضها ضد طرف عربي أو ضد الصهيونية والاستعمار.))1، وقد تناولت القصة الجزائرية القضية الفلسطينية كما تناولت الراهن السياسي العربي، ويمكن أن نقرأ العديد من هذه الأفكار في مجموعة الطاهر وطار ((الشهداء يعودون هذا الأسبوع)). هذه أهم المواضيع التي تظهر بشكل بارز في القصة الجزائرية الحديثة،أردناها إشارات سريعة دون توسع أو إطناب،حتى تكون فكرة مرجعية للقارئ المتتبع،ويمكن للباحث المختص العودة إلى القصص المشار إليها،بل وإلى غيرها من قصص تلك الفترة،للإلمام بالموضوع والتوسع فيه، كما يمكن القراءة لكتاب آخرين من نفس الفترة،إذ أن الأسماء التي ذكرناها لم تكن إلا عينة عادية؛ دون أي اعتبارات أخرى.كما نذكر بأن لا يمكن أن نحصر أو نُعدِّد كل المواضيع نظرا لواقعية القصة الجزائرية،والتي تناولت انشغالات الواقع الجزائري بما فيه من تفاعل يومي متواصل،وأفكار وتصورات مختلفة،تعج بطموحات وآمال الشعب الجزائري،الذي عرف حراكا اجتماعيا داخليا خاصة في هذه المرحلة الثورية من تاريخ الجزائر.