تحيي كل سنة بعض المناطق ببلادنا ما يسمى ب " الوعدة "، وهي عبارة عن احتفال يقوم به أبناء أو أحفاد أو سلالة ولي من الأولياء الصالحين أو التابعين لطريقته قصد التبرك، كما أنها مجلس لتلاقي الأحبة ، ومكان لفك النزاعات والخصومات و لتمتين روابط الأخوة، ويلتقي أيضا في الوعدة الأهل والأقارب من أجل إصلاح النفوس وعقد الصلح وحل النزاعات القائمة بين أهالي المناطق ، ومن الأمور التي لا يمكن التخلي عنها في هذا الموعد الهام تلاوة القرآن والذكر والتسبيح بحضور مشايخ الزوايا وطلبة المساجد ، بالإضافة إلى حفظة القرآن الكريم .، وإلى جانب ذلك ف " الوعدة " هي أيضا موعد اقتصادي وثقافي هام ، وفرصة للدعاء، وسانحة لبعض التجار حتى يعرضوا و يبيعوا سلعهم خاصة التقليدية منها ، وفي نفس الوقت يستمتع الضيوف باستعراض الخيالة المبهر بمشاركة العديد من الفرق. وهكذا فكل عرش يختار يوما يناسبه للقيام بهذه الوليمة التي تدوم يومين، حيث تقام " الوعدة " عادة في موسم الحصاد أو نهايته ، فبعد أن يجتمع أعيان العرش أو القبيلة يتم تعيين فئة تتكفل بجمع " الزيارة " ، ويتم تحديد اليوم الذي يتم فيه الاحتفال، وعندما يحين الموعد تذهب القبيلة المعينة لنصب الخيم ، وتأخذ معها كل المستلزمات التي تخصهم ، فبولاية تيسمسيلت يتم خلال اليوم الأول ذبح المواشي ، وفي بعض المناطق يتم ذبح ثور كطعم سيدي موسى ببلدية الملعب بتيسمسيلت ، أما في اليوم الثاني يتم تقديم العروض الفلكلورية والفنتازيا ، ولا تكاد تخلو الوعدة من الأغنية البدوية التي تكون حاضرة مع الشيخ " الميلود الفيالاري " وفرقته ، كما تقوم النسوة بإعداد " الكسكس " في أواني كبيرة " الجفنة " ، ويكون هناك وقت محدد يخرج فيها الطعام من الخيمة تحت وقع طلقات البارود ، فيتقدم جميع الحاضرين إلى الأكل ، وبعد الانتهاء يذهب أبناء وأحفاد الولي الصالح لزيارة الضريح وإشعال الشموع ، كما تقوم النسوة بخلط" الروينة " بالماء، وإضافة السكر لها حتى تقدم للزوار ، ومن الوعدات الشهيرة بتيسمسيلت نذكر وعدة " عرش المعاصم" ، عرش المخالدية بلرجام ، أولاد البلاد الصالحين بتيسمسيلت ، طعم سيدي موسى ببلدية الملعب، طعم النواصر ، وسيدي رابح ببلدية عماري ... الفنتازيا بعرش " المعاصم " تعد وعدة عرش المعاصم فرصة لإحياء عادات الأجداد التي لا يزال يحافظ عليها الجيل الحالي، وتتميز بإقامة العديد من الأنشطة الإحتفالية على غرار الفروسية والفنتازيا ، وتقام فيها أيضا استعراضات فلكلورية تمتزج فيها الغايطة و البندير مع أصوات البارود ، ومن بين التقاليد التي تعرفها الوعدة إقامة مأدبة غداء جماعية تشارك فيها جميع العائلات المنتمية لعرش المعاصم الذي يضم العديد من الدواوير والتجمعات الريفية ، كما تعرف المناسبة أيضا إقامة العديد من الأنشطة الدينية كالمدائح الدينية التي يشارك في أدائها عدد من أئمة مساجد المنطقة وشيوخ وأعيان عرش المعاصم من خلال حل النزاعات والمشاكل القائمة بين العائلات والجيران ، كما يستمتع سكان المنطقة بالقصص التراثية التي يسردها الشعراء ، وفيما يتعلق بوعدة أولاد البلاد الصالحين بتيسمسيلت فهي تقام دائما شهر أكتوبر ، حيث تساهم كل العائلات في إحضار طعام الوليمة الكبرى ، بحضور حشد غفير من الزوار الذين يقبلون على مختلف التظاهرات الشعبية ، الدينية والفنية التي تنظم بهذه المناسبة الاجتماعية ، التي تضم العديد من الأنشطة التي تسطرها الجمعية الثقافية مع السلطات المحلية ،كما يتم في التظاهرة إقامة استعراضات فلكلورية مستوحاة من التراث الشعبي لولاية تيسمسيلت ، تطبعها أجواء بهيجة مميزة تمتزج فيها الزغاريد وأهازيج الفرحة بطلقات البارود وصهيل الخيول وأنغام القرقابو، كما تنظم حلقات للذكر والمديح الديني والتبرك ، والتضرع لله بالدعاء بالغيث النافع و العميم ، وفي سياق هذه الوعدة يتم تقديم حلقات الذكر وتلاوة كتاب الله والحديث ، ومن جهة أخرى تقوم العائلات بزيارة أضرحة أولاد البلاد الصالحين سيدي بن تمرة ، سيدي الهواري وسيدي خليفة . أجواء روحانية ب " سيدي عبد الرحمان " من جهة أخرى تشهد بلدية لرجام أكبر وعدة بالمنطقة وهي وعدة الولي الصالح " سيدي عبد الرحمان " ، حيث أنها تقام بداية فصل الخريف بحضور أبناء سيدي عبد الرحمان المعروفين باسم " المخالدية " حتى من خارج الوطن ، وهم أكبر العروش في المنطقة الغربية ، إذ أن عددا كبيرا من الزوار يقصدون الوعدة التي يقام فيها ما يعرف ب " الشارة الرماية " باستعمال العصي ، بهدف إبراز القوة ، وهذا تحت أنغام القوال و مع احتساء الشاي المطهى على الجمر من طرف المقاهي التقليدية التي تصنع ديكورا مميزا بالخيم المنصوبة ، كما يتم في الوعدة تنظيم مسابقات الخيول ، ليتم الاختتام في أجواء روحانية أخوية ، على وعد اللقاء في الخريف القادم ، ومن أشهر ولائم الطعم ببلدية لرجام أبضا طعم " عرش أولاد المباني" ، طعم سيدي أعمر و طعم " عرش القواسم" ، و هكذا فإن الوعدة تعد فرصة لاكتشاف الفلكلور الشعبي والبعد الجمالي و الطقوس الغنائية وغيرها من المشاهد الفنية الأخرى ، كما تشكّل أيضا فرصة للتلاحم الاجتماعي بين سكان المنطقة ، وتعزيز التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع .