اختتمت فعاليات وعدة الولي الصالح "سيدي امحمد الواسني" بمغنية مؤخرا، والتي استمرت على غرار السنوات الفارطة أسبوعا كاملا، وقد عرفت تنافسا كبيرا بين مختلف الفرق الفلكلورية المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية الشعبية التّي دأبت البلدية على تنظيمها وتعود إلى عشرات السنين، حيث استقطبت الوعدة هذه السنة آلاف المتفرجين والسكّان والباحثين من مختلف جهات الوطن، وحتى المغتربين الذين تسابقوا لأخذ صور تذكارية تخليدا لهذه المناسبة السنوية التّي تنطلق مع بداية كل موسم خريف، وكانت المناسبة كبيرة لمختلف الباعة المتجولين والتجار الذين فرضوا منطقهم، كما كانت الفرصة مناسبة للتضرع للمولى عزّ وجل من أجل إنزال الغيث وإحلال السلام في مختلف ربوع الوطن، والدعاء لراعي الأمة بالصلاح. يعتبر موسم وعدة الولي الصالح "سيدي امحمد الواسيني" بمنطقة مغنية، واحدا من المواسم التي تشد إليها الرحّال على مستوى ولاية تلمسان، لما تستقطب من زوار من مختلف أنحاء الوطن، بمشاركة كل العروش المشكلة لمنطقة مغنية وفي مقدّمتها عرش "بني واسين" وتستقطب هذه الوعدة سنويا آلاف المواطنين الذين يتابعون المدائح الدينية ويستمتعون بألعاب الفروسية، كما تعتبر ملتقى للأهالي والأحباب ومقصدا للترحم والتبرك، وتمتد جذورها إلى زمن بعيد، حيث كان يلتف حولها الشعراء والمداحون الذين كانوا يحوّلون التظاهرة إلى عرس حقيقي تحذوه الألفة والأخوة وصفاء النفس، قد تدوم حسب منظميها إلى أسبوع كامل، إذ تبدأ قوافل الناس بالتوافد على منطقة مغنية مع بداية الأسبوع، حيث يأتون إلى صلة الأرحام من جهة والتبرك بضريح الولي الصالح سيدي امحمد من جهة أخرى، والترحم عليه، وتعتبر هذه الوعدة المخلدة من أكبر التظاهرات الثقافية بالمنطقة وطابعا موروثا أبا عن جدّ لعرش أولاد سيدي امحمد الواسيني. ولما تحمله هذه العادة الحميدة من بعد روحي وحضاري اتخذ منها سكان مغنية عامة وبني واسين خاصة وأقرباؤهم، موعدا للقاء والتزاور والتشاور بين كبار العرش والتصالح بتجديد العلاقات بين أفراده الذي حافظ عليه الأهالي بنسقه وطقوسه عبر العصور، رغم التقدم الحضاري في ظل المعلوماتية، فضلا عن معايشة فنطازيا الخيول والبارود التي يشارك فيها العشرات من الفرسان الذين يأتون من مختلف الولايات بزيّهم التقليدي المتمثل في البرنوس الحريدي والسروال العربي والشاش "القنار" المصفف بالخيط والبندقية، ليسحروا الألباب بعروضهم الرائعة أو ما يسمى في الكثير من المناطق "بالعلفة"، وما يزيد المشاهد روعة وجمالا؛ تلك الزغاريد المنبعثة من هنا وهناك تعبيرا عن الفرحة التي أحالت الوعدة إلى عرس حقيقي يسوده النظام والاحترام المتبادلين، فضلا عن حفاوة استقبال الأهالي لضيوفهم والعابرين من شيوخ العرش والوفود الحاشدة في كل بيت، تأكيدا على الكرم الفياض، حيث لا يخلو بيت من الضيوف، ونظرا لازدحام الوافدين تنصّب الخيم في كل مكان عبر الساحات، حيث تفرش البسط وتصف الموائد وتحضر جفان الكسكس واللحم الشهي فيأكل الجميع هنيئا ويشربوا مريئا، كما أن هذه الوعدة التي يقصدها أبناء المنطقة والزوار من مختلف ولايات الوطن ليست فرصة للقاء والتعارف والتزاور والمصاهرة فقط، وإنما كانت مكانا للكثير من القضايا التي لا تذهب إلى العدالة يتم حلها وديا بين كبار العروش، لاسيما تلك الخلافات التي تحدث في أغلب الأحيان على الحرث والحدود والاختلاف بين العائلات في مسألة الإرث أو الطلاق. تفيد المصادر التاريخية، أن المغفور له الولي الصالح "سيدي امحمد الواسيني" ولد في حدود سنة 1771 بالسهل الخصب الممتد على أطراف نهر مويلح ونهر تافنة، وينحدر نسبه من بني مرين، حسبما ورد في كتاب تاريخ العرب والبربر وزناتة لابن خلدون "الجزء الرابع" الذي أهداه على المستنصر أبي العباس الذي تولى إمارة تونس بين سنة (772 ه إلى 792 ه). قال المكلفون بتنظيم الوعدة: رحو نصر الدين المكلف بتنظيم الوعدة: "تقام هذه الوعدة سنويا في بداية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر، بحيث أن الأجداد وما قبلهم كانوا يلتقون في هذا المكان المبارك الذي يحمل في جنباته الكثير من معاني الإخلاص والتسامح الود والتضحية والتضامن والجهاد... وكذا المحبة والأخوة والسعادة، في هذا المكان كان المجاهدون الأشاوس الأوائل إبان الثورة التحريرية وما قبلها يعقدون اجتماعات سرية ويديرون بعض الأمور أمام أعين العدو وهذه الأعين لا تبصرهم... اليوم نحن نحيي هذه الذكرى تحت شعار التضامن، ثم التضامن بين أبناء الشعب الجزائري قاطبة، وقد أظهر الفرسان تميّزا بهدف الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الشعبي، فالناس تناولت الطعام وأقيمت لتلاوة القرآن الكريم والذكر الحكيم. "قيطوني الواسيني": هذه الوعدة كانت قديما تعرف إقبالا كبيرا من طرف الضيوف والمشاركين من داخل وخارج الولاية، حيث كنا نستقبل ما لا يقل عن 24 علفة، أي بمعدل 240 إلى 400 فارس، هذا دون تعداد العلف التي تشارك من داخل الولاية، نتمنى أن تكون هذه الوعدة كل سنة أحسن، لذا أوجه ندائي للسلطات المحلية بتقديم التسهيلات للخيالة من أجل الحصول على البارود عوض اللجوء إلى السوق السوداء بهدف الحصول عليه قصد الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الشعبي لحمايته من الزوال، كما نطلب إنجاز مصلى ودورات للمياه خاصة للنساء. "قيطوني مصطفى": هذه الوعدة أفرحت قلوب الجميع الحاضرين والغائبين، فهي تقام كل سنة يتم من خلالها إطعام الطعام وقراءة القرآن، كما تقام الفروسية، حيث تعود هذه التظاهرة إلى أسلافنا وأجدادنا يلتقي فيها الأحباب والأقارب والعائلات بينها من قريب أو بعيد، أشكر السلطات المحلية على تزويد الزاوية بشبكات المياه والكهرباء، كما نتمنى إن شاء الله أن تساعدنا أيضا في إنجاز مصلى لجمع المصلين فيه، خاصة في هذه المناسبات، أتمنى الخير والبركة لهذا البلد الجزائر.