ركبت الحافلة بعد أن غيرت من هندامها ، لم تخرج من البيت إلا وهي في كامل زينتها ، الشيء الذي لم تقم به من قبل كلما أخذتها الضرورة لزيارة مدينة القدس التي تعشقها حيث يقطن في الجزء العربي أبناء عمومتها التي انقطعت عنها أخبارهم ، لم تضيع وقتها بمجرد أن وصلت انطلقت إلى شارع " يافا " موزعة الابتسامات من حين لآخر لعساكر مدججين بالسلاح ، وفي الوقت الذي رأته الأنسب انفلتت من المراقبة دخلت متجرا مكتظا بالزوار البعض جاؤوا من أوكرانيا وآخرين من هولندا حتى منهم من جاء من أمريكا تشعبت لغتهم لكنهم جميعا اتفقوا أن هذه الأرض أرض ميعادهم التي وعدوا بها زورا . من بين الحشود ومن خلف ضباب الذاكرة أطل الفتى سمير برأسه أمامها، ابتسمت ورددت للمرة الأخير " بعدك... على هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة.." ، ضغطت مرة واحدة بأصابعها على زر حزامها الناسف.دوى انفجار ضخم،تهشم زجاج العمارات والمكاتب القريبة، تعالت الأصوات هنا وهناك.سمعت صفارات الإنذار من بعيد، هرعت فرق الإنقاذ بسرعة وحضر رجال الإطفاء لإخماد ألسنة اللهيب التي طالت الطابق العلوي للمتجر. حضر رجال الإعلام بكثافة ولفيف من المحققين أغلقوا الشارع بأكمله ولم يسمح لأي ساكن أن يخرج منه أو يدخله ، بعد ساعة من عملية التمشيط والتأكد من الحادثة وحيثياتها أعلنت القناة العاشرة التابعة للجيش الإسرائيلي، أعلنت فيه بأن العملية تعد عملا ارهابيا نفذته امرأة لأول مرة بحزام ناسف ، وتوالت التقارير والتحليلات لهذا التطور الجديد في أسلوب المقاومة ، واستنتج المحققون أن منفذة العملية كانت تدعى "وفاء إدريس " تعمل في الإغاثة من مخيم الأمعري برام الله وأسفرت الحصيلة المؤقتة عن مقتل صهيوني واحد وإصابة مائة وأربعون آخرين. هناك بالمأتم في المخيم تعالت زغاريد النسوة عندما بلغهن الخبر قالت امرأة بين النسوة.وفاء إدريس رفعت رؤوسنا جميعا يا نسوة،وشدت على يد أم سمير المرأة العجوز التي كانت تجلس إلى جانبها،فأفتر ثغرها أخيرا عن ابتسامة خفيفة وبانت في بؤبؤ عينيها علامة الاستحسان والتأييد وما لبثت أن حركت لسانها لتقول شيئا حتى أوجدت نفسها محاصرة بطلبات ملحة من الجموع لتتحدث فباعدن من جو الصمت والحزن المطبق الذي كان سائدا فقالت : لم أفهم لماذا كانت وفاء تصر على زيارتي يوميا و كلما سألتها عن سبب تغيبها عن عملها كمسعف في قسم الطوارئ تعطيني بظهرها تحبس دموعها تغادر البيت خلسة وتكتفي بابتسامة ذابلة وتردد على مسمعي قبل أن تختفي (( على هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة..)).