تعرف المدن الجزائرية الكبرى تغيّرا جذريا في نمط عيش سكانها بفضل توفّر مختلف وسائل الرّاحة و الرّفاهية و كانت المواصلات من أهم الوسائل التي ساهمت في إحداث هذا التغيير ما يمكّن العائلات من التنقل بحرية و سرعة و أمان و ساعد ذلك على تطوير مجالات أخرى و منها المجال التجاري الذي أصبح يعتمد هو الآخر على المساحات التجارية الكبرى المتمركزة بهذه المدن مثل العاصمة و وهران و مستغانم و سطيف و غيرها نظرا لأهميتها في تنظيم النشاط و القضاء على التجارة الفوضوية و خلق شبكات توزيع منظمة و خلق مناصب شغل للشباب فهي تجمع مختلف النشاطات و المنتجات و الخدمات و التّجار في مكان واحد يتوفّر على وسائل الرّاحة و الأمن و يمنح للمتسوّقين السهولة في التنقل و التبضّع لذلك أنشأت في السنوات الأخيرة العديد من المساحات التجارية الكبرى على طراز "hypermarché" و" supermarché " و أسواق الجملة و هذا بموجب المرسوم التنفيذي رقم 09-182 الصادر في 12 ماي 2009 الذي يهدف إلى وضع حدّ للانتشار الفوضوي للأسواق و توزيع السّلع و البضائع و خاصة في مراحل البيع بالجملة و التجزئة و لكن هل هذه الفضاءات التجارية الجديدة توفّر للمستهلك الجزائري بالفعل كل ما يحتاج إليه في حياته اليومية و تقدّم له خدمات شبيهة بتلك الموفّرة ببلدان أخرى مجاورة أو أوروبية ؟ على اعتبار أن احدى العلامات الرائدة في هذا المجال استثمرت ببلادنا منذ سنوات .و هل تتوفّر هذه المساحات أيضا على المقاييس التجارية المعمول بها دوليا أو على الأقل تحترم المعايير الجزائرية و الشروط المحدّدة في النصوص القانونية . كل هذه الأسئلة سعينا للإجابة عنها من خلال جولة استطلاعية قادتنا إلى الفضاءات الكبرى بغرب و وسط البلاد حاولنا من خلالها المقارنة بين الخدمات و السّلع المعروضة و الأسعار المطبّقة بها و لو أحصينا عددها سنجد بأنها لا تتجاوز أصابع اليدين فهي لحدّ الآن لا تغطّي سوى 5 بالمائة من احتياجات المستهلك الجزائري حسب تقديرات الفدرالية الوطنية لحماية المستهلك في الوقت الذي يفترض أن تتحكم في 50 بالمائة من التجارة المحلية ،لكن الملاحظ أن 95 بالمائة من الأسواق تبقى خارج الإطار المنظم و يتحكم فيها نشاط غير شرعي و دخلاء و وسطاء و أطراف لا علاقة لها بالتجارة بل تحسن لعبة الاحتكار و المضاربة و التلاعب بالقدرة الشرائية للمواطن . إقبال منقطع النظير على أجنحة العرض فقبل أيام قليلة فتح أوّل فضاء تجاري كبير أبوابه بعاصمة الغرب الجزائري وهران في انتظار 5 مساحات تجارية كبرى هي في طور الانجاز منها ما سيجهز حسب مصالح الولاية قبل شهر رمضان الكريم . و يوجد كذلك مركز تجاري و ترفيهي ضخم بولاية مستغانم ، يصنّف الأكبر بالجهة الغربية للوطن إضافة إلى ثلاث فضاءات كبرى بالعاصمة أحدهما تابع لسلسلة "كارفور" الفرنسية و المركز التجاري الجديد بولاية سطيف و فضاءين اثنين بكل من البليدة و البويرة. و هو عدد قليل جدّا مقارنة لما كانت تطمح وزارة التجارة إلى تحقيقه بإصدار النصوص القانونية المتعلّقة بإنجاز الفضاءات التجارية الكبرى و الأسواق الضخمة و أسواق الجملة في ماي 2009 بغرض تنظيم قطاعها و وضع حدّ للفوضى التي ميّزته خلال العشريتين الأخيرتين. و طيلة الأيام الأولى من افتتاح المركز التجاري "ليبار سيتي" بالسانيا المتزامنة و عطلة الربيع تدفّقت عليه العائلات و المتبضّعون من عدّة ولايات و خاصّة من الجهة الغربية لكي لا يفوّتوا فرصة اكتشاف أوّل فضاء تجاري ضخم بوهران و الذي وعد أصحابه بتوفير أفضل المنتجات و أجودها و بأسعار تنافسية و خدمات أمن و إطعام و ترفيه و ألعاب للأطفال ،فلم تكف حظيرة السّوق لاحتواء العدد الهائل من السيارات و ضاقت مساحة العرض على رحابتها بالزّوار و المتسوّقين و الفضوليين و كان الإقبال قياسيا على كل أنواع المعروضات و طوابير طويلة للمتبضّعين أمام محلات الإطعام و شبابيك الدّفع و أغلبهم اقتنوا كميات كبيرة من المنتجات .و خارج المركز ازدحام غير معهود للمركبات امتدّ على بضع كيلومترات ،و وجد بعض الانتهازيين فرصتهم فاستحوذوا على الطريق العام بالعصي بحجّة حراسة مركبات الزائرين ،هكذا كانت أجواء افتتاح هذا المركز التجاري ما يوحي فعلا بأن العائلات الجزارية أصبحت تفضّل التردد على هذه الأماكن للتسوّق لما فيها من وسائل جذب و إغراء . و كان هذا حال كل المراكز التجارية الكبرى لدى افتتاحها و لا تزال تجدب إليها العائلات من كل مكان بعد مرور بضع سنوات فشريحة كبيرة من الجزائريين تعوّد على النمط الجديد من الاستهلاك حيث تكون كل المنتجات و المواد الاستهلاكية موفّرة في فضاء واحد إضافة إلى خدمات الأمن و النظافة و الترفيه و الإطعام و غيرها . غلاء أسعار الخضر و الفواكه و الأسماك و اللّحوم و رغم أن هذه المساحات لا تضاهيها أسواق أخرى من حيث الخدمة و الأمن والنّظافة إلاّ أنها لا تزال بعيدة عن المعايير المعمول بها في مجال التسويق ،و لو أجرى أي مواطن عادي مقارنة بين ما يعرض بها من منتجات و الأسعار و هوامش الربح المطبّقة سيندهش كونها لا تختلف عن باقي الأسواق الأخرى و المحلات التجارية العادية و الدكاكين .لكن للأسف الشديد سنجد بأن نفس المنتجات الاستهلاكية الغذائية و غير الغذائية معروضة هنا و هناك و كأنّ كل أنواع الأسواق تتعامل مع نفس المورّدين و المموّنين و بالتالي يحرم المستهلك من حقّه في الاختيار بين هذا و ذاك .و الأسعار كذلك غير تنافسية البتّة و في غالب الأحيان نجدها بالمساحات التجارية الكبرى أغلى من دكّان الحيّ رغم أنه من المفروض أن تكون منخفضة ،فهذه المساحات تبيع كميات هائلة مقابل ما يبيعه تاجر تجزئة بسيط ،و يكفي أن نضرب على ذلك مثالا في الخضر و الفواكه و اللّحوم و الأسماك و بعض المعلّبات ،فمن العجب أن نجد سعر الخضر أو الفواكه داخل المساحات التجارية الكبرى ضعف أو ضعفي السعر المعروض خارجها. و نظرا للأهمية الكبيرة التي يكتسيها هذا النمط العصري للأسواق في إعادة تنظيم التجارة الداخلية و تشجيع الاستهلاك المحلي دعا وزير التّجارة بختي بلعايب المتعاملين الاقتصاديين إلى الاستثمار في هذا الاتّجاه و الولاّة إلى تقديم كل التسهيلات في منح العقارات و الأراضي الملائمة لإنشاء المزيد من هذه الأسواق التي تتطلب مساحات شاسعة لإنجاز كل المرافق الضرورية أهمها فضاء العرض الذي لا تقل مساحته عن 2500 متر مربّع و حظيرة تسع ل 500 سيارة على الأقل و تصل إلى 2500 سيارة حسب نص القانون