يختلف الناقد مخلوف عامر عن بقية النقاد الجزائريين في ميزة أساسية، هي أنه مهتم بمتابعة النص السردي الجزائري منذ بدأ يشتغل في هذا الحقل الصعب، ويمارسه بشغف وصدق، ولقد كان على عكس غيره أكثر تورطا في الكتابة عن النصوص الجزائرية، ومتابعتها بالنقد ، والقراءة واستجلاء مكامن قوتها وضعفها، وهو يقدم قراءته على أنها وُجهة نظر في النص لا أقل ولا أكثر، دون أن يقول لنا أنها القراءة النهائية والأخيرة، ونحن نعرف أن النقد في الجزائر يعاني من غياب مساهمات النقاد، وضعف مردودهم النقدي، وليس من عدم وجودهم فهم حاضرون كأسماء كثيرة معروفة، ولكن لا يقحمون أنفسهم في هذه الممارسة، ولا يقومون بهذا الدور الذي تعوضه الصحافة أحيانا والقراءات الانطباعية للأدباء أنفسهم، ويعترضون على هذا الفعل النقدي كونه يجلب العداوات الشخصية (وهي ظاهرة بدأت تشيع في السنوات الأخيرة، حيث بلغت نرجسية البعض من الكتاب حداً لا يحتمل، ويقابلها في نفس الوقت استعلاء النقاد لدرجة لا تحتمل أيضاً) أو يقحم في خلافات وصراعات لا نهاية لها، ولعل هذا هو الرأي الشائع اليوم، وقد يكون هذا الكلام تبريرا للغياب أكثر منه توصيفا لسبب اللامبالاة، وعلى عكس هذا الرأي نجد أن مخلوف عامر قد حسم المسألة مع نفسه أولاً، فلم يعد يهتم إن كان ما يكتبه يثير غضب هذا أو فرح ذاك، أو يؤجج الصراعات بين هذه الجماعة أو تلك، أو يخلق العداوات بينه وبين من ينتقدهم سواء في نصوصهم أو مواقفهم، وكثير ما يجلب له النقد الثاني للمواقف عدوات حقيقية شاهدنا مؤخرا بعض فصولها على صفحات الفايس بوك، وكأن انتقاده لموقف هذا الكاتب أو ذاك هو موقف شخصي من الكاتب، وإعلان حرب وعداوة، وليس تحليلا نقدياً لهذا الموقف وتشريحا له، ومحاولة فهم أسبابه ودوافعه، لكن مستوى المنتقدين ينحط أحيانا، فيشعرونك كما لو أنك ارتكبت كبيرة من الكبائر في حقهم، وهذا ما يدفع إما إلى الانسحاب أو المواجهة، التراجع أو المرافعة، أو يجعلك تنأى بعيداً عن هذا " المستنقع الفاحش" . وصحيح أن مخلوف عامر يتعامل مع "النص" وليس مع الاسم الفلاني أو العلاني، وبالتالي فهو لا يدخل في المهاترات الهامشية، ولا يوليها أدنى اهتمامه، ويركز في مقالاته التي ينشرها على فضاء "الفايس بوك "على متابعة كل ما تقع يده عليه من إصدارات أدبية جديدة، كما يعبر من حين لآخر عن مواقفه من بعض القضايا الأدبية، أو الثقافية التي يرى أنه ضروري طرحها للقراء، ومناقشتها معهم، لا يتوقف مخلوف عامر من تذكير نفسه بالديّن المعنوي الكبير لكل من ساهموا في صناعة الثقافة الجزائرية بشكل عام ، والأدب الجزائري بصورة خاصة، وهو ينتمي إلى مرحلة يراها مشرقة في زمنها، وكانت لها أحلام، ويوتوبيا وطنية، وكانت تدافع عن قيّم ومبادئ لم يعد ربما يبصرها اليوم، وهو بحذاقة الناقد المجرب/المخضرم يدرك -لا شك في ذلك- أن الزمن تغير، وأرض اليقين تزلزلت، وأن الأجيال الجديدة تعيش في زمن آخر له مشاكله، وهمومه، وصراعاته، وأحلامه أيضاً، وهو يكتب ليفكر في هذا كله، وتشعر كما لو أنه في كتاباته وتنقلاته بين النصوص من مختلف الأجيال والأعمار، كما لو أنه يبحث عن حلقة الوصل التي تربط الماضي بالحاضر، الأصالة بالمعاصرة، فهو مَهْمُوم بأسئلة اللحظة الثقافية الجزائرية، بمحاولة فهم ما جرى وما يجري، ويريد أن يفكر فيها من الداخل كتجربة حياتية، وممارسة سياسية، وكنص أدبي.. لقد أعطت لنا هذه التجربة النقدية المتميزة الكثير من الكتب النقدية الجادة والعميقة، وهي تمثل لحظات مفصلية في الخطاب الأدبي الجزائري من خلال عين ناقد محترف ومُجرب، مفتوح على الآخر وعلى الأسئلة الجديدة، وعلى الكتابة دائماً.