لك البحر ... ولي السّماء... لا تحزن ولا تبتهل.. فقد وهبتُك من السّماء زرقتها .. ومن الرّوح توهّجها .. وطرّزت ليلك أنجما .. وبحرير أناملي توّجتُ هامتك أكاليل ضياء... لا تخش زمهرير الشّتاء .. وقد دثّرتُك بزلال حرفي .. وزرعتُ في نبض بياضك عبقَ ألف أغنيّة.. فهفت الفراشات إليك خفافا.. تردّد شدو ذاك الصّدى... ورقصت البلابل نشوى .. بترانيم ذاك المساء... وظللتُ أنتظر، أنتظر، أنتظر... أن ينجم في الفؤاد ربيع، كذاك الّذي .. كان لنا، يوم كان العيش غلاما .. وكنتُ وكنتَ المنى... أتيتَ.. مثقل الخطوات أتيتَ! .. فارغ الوطاب أتيتَ !.. كالح الفؤاد أتيت...! أمّا أنا ، آه يا أنا... فلا شيء أُهديك إلّا... خشخاشا وعوسجا!!! ولا شيء منك أرتجيه غير هدنة مسافر أضاع الدّرب والبوصلة!!! يخطئ الكثير من شعرائنا في فهم جزئية « الغموض الفني في الشعر «، حين يجعلوا نصوصهم شيئا مغلقا لا ينال منه القارئ سوى تعبًا ونصبًا ...النص -والحال هذه - عقوبة لا تمتّ إلى المتعة بصلة ... هذه المتعة التي تشتاق غريزة القارئ إلى ممارستها على تفاصيل النص ،. ثم لا يلبث هذا النوع من النصوص أن يكون عامل طرد للقرّاء لأنهم تيقنوا أنّ الدخول والسياحة ممنوعة بأمر من صاحبه ، و من جهة أخرى أتمثّل النصوص المفتوحة كعذراء تهب نفسها لكلّ من هبّ ودرج فتسقط من عين من يشتهيها ؟ ، ببساطة ودون عرض الأطروحات المتعلقة بالمسألة ومناقشتها – فليس هذا غرضنا – الجمالية كما ترى أستاذتنا د. خيرة شاملي أن يغلق المؤلف نصّه بإحكام ثمّ يترك نسخة من مفتاح القفل في مكان قريب، وبغض النظر عن مآلات أطروحة الدكتورة خيرة، إلّا أنّني أزعم أن الصّواب حالفها هنا إلى حدّ كبير فإغلاق النص حفظ لهيبة النص ومظنّة الخلود، وتمكين القارئ من مفتاح النص مظنّة التجاوب والبعد عن « الطّلسمة «، ثم يهمّني هنا أن أشير إلى عبارة :« ثمّ يترك نسخة من مفتاح القفل في مكان قريب « وبالذات لفظة « قريب « الدالة على عدم التطّرف في الغموض . - هذا إذا تكلّمنا عن الغموض الفني، أما الغموض الإنتحاري الذي يقصد به صاحبه استعراض العضلات ، فهذا ليس موضوعنا لأننا نتفق على استهجانه ،ويحفظ الله الدكتور عبد الملك مرتاض فقد كان يسمّيه «غموض أنا هنا «، لست هنا بصدد التنظر للغموض وماهيته ، لكن أردت أن أبين عن سلوك في الكتابة ينتهجه البعض فيتألقون ويسئ فهمه البعض فيفقدون البريق،وهناك من الكتّاب من ينتهج البساطة في كتابته، فيحسن استخدامها هذا النوع من الكتاب يترك المفتاح على حاله في مجراه في قفله، و لاتمسّ السآمة القارئ من بعيد أو قريب، والسرّ في هذا أن هذا النوع من الكتاب يستعيض عن الغموض بأنواعه بجرعة مركزة من المتعة، والأمثلة عن هذا كثيرة جدا ربما كان «البردوني و«مطر» رواد هذا الاتجاه ... أستطيع أن أزعم بأن البساطة الفنية التي تحدّثت عنها قبل قليل متواجدة بصورة بهيّة في هذا النص الجميل للناقدة والأكاديمية التونسية صفية عبد الجليل، قلت إن النص من الأدب الوجداني يحكي عن الذات العطشى للحب التي تعيش قلقا وجوديا ينتهي بها إلى ضياع الحب من بين أناملها، تعتمد المؤلفة في هذا النص على سيمياء الطبيعة ،حيث تنحو نحو الرومنسيين ، والمفارقة تتأتّى من استخدام العلامات، فبعضها يستخدم استخداما رمزيا وبعضها الآخر إنّما يرد في سياق المجازات التي نعتادها من الرومنسيين في غزلهم خصوصا، كما تستخدم الشاعرة هنا نحو عشرين رمزا طبيعيا ، وضعفه من الصور البيانية في تشكيل قصير كهذا التشكيل مع هذا لا وجود للعنت لدى القارئ؟ .