برزت، مؤخّرا، مجموعة من الأفلام الروائية القصيرة التي استطاعت أن تلفت إليها الأنظار، بمقارباتها السينمائية المختلفة التي تمثّل حساسيات جديدة لفئة الشباب، التي تعتبر الفئة الأكثر اهتماما بهذا النوع السينمائي، وتمكّنت هذه الأعمال من افتكاك عدد من الجوائز في مختلف المهرجانات السينمائية العربية والدولية، وهو ما يعتبره المتابعون للفن السابع في الجزائر، إضافة جديدة للشاشة الكبيرة الجزائرية التي يقولون "إن الفيلم الجزائري القصير يمثّلها أفضل تمثيل". وفي هذا السياق يمكن أن نعدّد مجموعة من المخرجين الشباب الذين تميّزت أعمالهم مؤخّرا، مثل ياسمين شويخ، مؤنس خمّار، أحسن تواتي، خالد بن عيسى، يانيس كوسيم صبرينة دراوي، ماسينيسا حسين، عبد النور زحزاح، غزلان شرف الدين وغيرهم من المخرجين. لكن الحديث عن الفيلم القصير يمرّ حتما عبر إلقاء إطلالة سريعة على الواقع السينمائي الجزائري الذي لا يعيش أزهى عصوره حاليا مع قلّة الإنتاج ونقص قاعات العرض وغياب إستراتيجية في هذا المجال رغم الحديث المتكرّر عن مشروع "قانون للسينما" لتنظيم هذا القطاع الحساس، لنثير أسئلة من قبيل: هل هناك صناعة خاصة بالفيلم القصير في الجزائر؟ وهل يمكن المراهنة على هذا النوع في إعادة الجمهور إلى قاعات السينما بعد أن هجرها مليّا لعدّة أسباب منها نقص الإنتاج أو عدم ارتقائه إلى المستوى الذي يطمح إليه المشاهد الجزائري؟ هل هناك اهتمام من طرف الوزارة الوصية بالفيلم القصير؟ وأخيرا وليس آخرا، هل يمثل هذا النوع تحدّيا للمخرج وإيمانا بأنه جنس قائم بحدّ ذاته أملته متطلّبات هذا العصر السريع، أم أنه لا يعدو أن يكون مجرّد "تمارين تسخينية" لعضلات المخرج قبل أن يبدأ رهانه الأكبر والمتمثّل في إخراج فيلم روائي طويل أو مجرّد حيلة يهرب منها المخرج "المبتدأ" من الميزانية الكبيرة التي يتطلبها إخراج فيلم طويل؟ تشير معظم التجارب إلى أننا لا نملك في الجزائر مخرجين محترفين في مجال الفيلم القصير، بدليل أن هذا النوع اقتصر على الأسماء الشابة دون غيرهم من الأسماء التي توصف بالكبيرة، فالمخرج إلياس سالم، مثلا، الذي حقّق فيلمه الأوّل "مسخرة" نجاحا غير مسبوق داخل الوطن وخارجه وافتك العشرات من الجوائز العالمية في كل المهرجانات التي شارك فيها تقريبا، بدأ بفيلم قصير عنوانه "أولاد العم"، ورغم أن الفيلم توج بجائزة "سيزار" الفرنسية عام 2006؛ إلا أن ذلك لم يحمّس سالم على الاستمرار في طريق الأفلام القصيرة، مفضّلا التوجّه إلى الفيلم الطويل. ولا يخفي المخرجون الشباب أنهم يطمحون إلى إخراج أفلام روائية طويلة، تظل في النهاية حلم أيّ مخرج شاب مهما كانت مدرسته وتوجهاته الفنية، بالنظر إلى أن هذا المجال يلبّي الاحتياجات الفنية للمخرج أكثر مما يفعله الفيلم القصير. وإن كان هؤلاء يثنون على تفاعل الممثّلين معهم، والذين يقبلون عادة التمثيل معهم دون مقابل مادّي من باب مدّ يد العون لهم ومساعدتهم في خطواتهم الأولى في هذا المجال، وأيضا بالدعم الذي يلقونه من وزارة الثقافة؛ فإنهم بالمقابل يشيرون إلى بعض المشاكل التي تعترض طريقهم، وفي هذا السياق، يؤكّد أحدهم على ضرورة إيجاد فضاءات ومهرجانات تهتم بالفيلم القصير، مشيرا إلى مهرجان "تاغيت الذهبي" الذي نجح في احتضان المواهب السينمائية الشابة لكنه اختفى دون أيّ مبرّر.. رغم ذلك، يتحمّس الجميع لإكمال طريق الفن السابع الطويل، والذي يبدو أنه بات يبدأ بخطوة الفيلم القصير.