تختلف المعروضات بالسوق الشعبي المدينةالجديدة الذي يعرف بعرض السلع بطريقة غير شرعية ما يعرف »بالفراشة« وعلى إمتداد شارع الإستقلال تتربع مساحة معتبرة تعتبر القلب النابض والشريان الرئيسي للسوق ككل وهي »الطحطاحة« التي تدرجت تسمياتها لتلقب في عهد الإستعمار باسم »فيلاج ناڤر« نسبة »للنڤراوة« أو السود الذين كانوا يترددون عليها من الجنوب الجزائري إذ كانت مكان إلتقاء الكثير من الأفراد آنذاك لتنتقل إلى مرحلة ما بعد الإستقلال إذ كان المكان عبارة عن مساحة خالية من العمران سوى بعض الأتربة والحجارة التي تغطي المكان لكنها بقيت المكان المشهور للقاء المواطنين من كل مكان لتعرض في شتى أنواع السلع طيلة أيام الأسبوع إذ اشتهرت بديوان الصالحين والمداحات وغيرها فكلهم كانوا يقدمون عروضهم حلقات حلقات وكل واحد يقوم بنشاطه وعلى المواطن التجول والتنزه في الكرنفال العظيم فحشود هنا وهناك والكل يستهويه شيء أو عرض معين وأكثرهم المشعوذون الذين يخرجون الأفاعي وغيرها من العروض السحرية ضف إلى ذلك أصحاب المزامير و»الڤلال« والغايطة في عروض فلكلورية تضفي عليها »المكحلة« والبارود نكهة خاصة بالأصالة والتراث كذلك الفكاهة لها نصيب من العروض وحكايات بها عبر وأقاويل مأثورة إذ كانت الطحاحة مكان للإلتقاء للنفع وقد ذاع صيتها ولشهرتها سميت »بالمدينةالجديدة« نسبة لتجدد الناس بها إذ كل يوم يتغير قاصدوها ومن يزور وهران ولا يمر بالطحطاحة فكأنه لم يزر وهران قط، إذ يعتبر المكان التجاري الأول فتتوفر بها التسلية وأنواع البضائع وأشهى المأكولات بأثمان في متناول الجميع ففي السبعينات إذ كان المقصد الذي يتوافر على شيء ترغب به من متعة إلى أصالة إلى مكان للإرتزاق ومن الأماكن التي كانت معروفة آنذاك »سيدي بلال« الذي كانت تباع به المياه الصالحة للشرب وكذا »قهوة الشيوخ« التي كانت مقصد الشعراء وملتقى لتبادل أطراف الحديث وتأليف الأغاني وغير بعيد عن المكان استديو لتسجيل الأغاني والشعر الملحون ومن الرواد بالمجال بلاوي الهواري وأحمد صابر.. وغيرهما من الحناجر الذهبية التي أطربت ولازالت تطرب وتتغنى بوهران الباهية وأضاف محدثنا السيد»بوديسة إبراهيم« الذي أصرّ على سرد الوقائع بكل صدق بأن أيام زمان كانت لها نكهة الأصالة والنية لذا كان كل شيء متوفر والمعيشة كانت ميسرة على غرار ما آلت إليه لإندثار هذه العادات التي تعتبر الركيزة والأساس وأن تلك »اللّمات« التي كانت جزءا لا يتجزأ من يوميات المدينةالجديدة لتتحول اليوم إلى فوضى وخراب وبيع عشوائي وأكوام من الزبالة التي شوهت المكان وطوت ذكريات نشأت عليها أجيال وأماكن مرّت عليها حقب وأزمنة أصبحت تذكر فقط في مناسبات إذ تغيرت »العقليات« وأصبح لكل واحد تفكيره ومبدأه الخاص كما أضاف أن أيام زمان كانت أكثر واقعية ليمر الزمن مخلفا الذكريات التي بدأت تتآكل مع مرور الوقت وتغضي الجيل الجديد عن معرفة عاداته والوقت تغير فإذا تحدث الكبير عن الماضي أو وقت الإستعمار فيتكلم الإبن ويصف والده »بالدقة القديمة« فهذه العوامل التي سمحت بإندثار التاريخ.. رغم إختلاف الزمن إلا أن المكان لا يزال يتضمن بعض المخلفات التي لم يشرب عليها الدهر إذ لا تزال مهنة »الفراشة« الذين لايزالون يعرضون سلعهم بالطريقة القديمة ورغم مجهودات الجهات الوصية للقضاء النهائي على هذه الظاهرة وذلك سنة 2000 إذ كانت الطحطاحة عبارة عن مكان خاص لبيع الملابس المستعملة وما يعرف »بالبالة« إذ قامت الجهات الوصية بإخلاء الساحة ونقلها الى »الحمري« وفق شروط قبلها الباعة إلا أن معظمهم تخلى عنها لأسباب عديدة كإفتقار المكان الجديد لأدنى شروط العمل التجاري كالمراحيض العمومية أو مطاعم كما أن المكان هو عبارة عن مساحة شاغرة تم نقل الباعة إليها وهي عبارة عن »براريك« مصنوعة بالصفيح مما جعل العديد منهم يتخلى عن المهنة فهم يطلبون من الجهات الوصية إعادة النظر والإستغلال السليم للمساحة ببناء محلات لائقة لتحميهم حرارة الصيف وقساوة الشتاء... وعموما فإن من بقي يمارس المهنة التي اشتق اسمها من طريقة العرض أي »التفراش« ويعني بسط فراش وعرض عليه مختلف السلع كالألعاب أو خردوات من أسلاك مسامير وبقايا الأواني والنحاس والكتب والجلاليب والعقدات والساعات، المنبهات، حشائش وكل ما قد يخطر ببالك أو لا يخطر..ومن هؤلاء الفراشة الذي يعرض سلعه السيد (م. بن عمر) الذي صرح أن الظروف المعيشية القاهرة جعلت المواطن البسيط يبحث عن كل السبل للحصول على خبزته بعرق جبينه رغم تعب جسده الضعيف إلاّ أنه يسعى يوميا لعرض ألعابه علّ وعسى يكسب قوت عياله وقوته في وقت عرفت الظروف المعيشية غلاءا فاحشا فمن أين له بسد رمق عياله؟ وليس هوبل هناك العديد من هذه الفئة الهشة التي تحلم بالدفء لكن هيهات في زمن يصارع فيه الواحد للحصول على لقمة العيش وما يشد الإنتباه أكثر نساء أقتحمن باب التجارة اللاّ شرعية من بابه الواسع متحديات الرجال وكذا الظروف القاهرة فهي طاعنة في السن رفقة قريناتها اللّواتي يعرضن بعض الملابس الرثة وبعض »الكتان« وهن يصارعن الزمن والمرض من أجل الظفر ببعض الدنانير إذ يشتكين من سوء المعاملة من طرف الرجال وتلقيهن الإهانة وحتى الضرب في العديد من المرات لكن لا مكان آخر للجوء إليه كل هذا العناء في سبيل توفير القليل لأفواه تطلب الكثير، ونددن بالظلم فلولا الظروف العصبة لما أردن العمل ويحنّ إلى أيام زمان أين كان » النيف« إذ كان الرجل يحن على » الولية« و»أم اليتامى« أمّا اليوم فإنعدمت الرحمة وإنعدام الإحترام فأين حقوق المرأة؟ وأين البر بكبار السن؟ والتمسنا في حديثهن ضياعا كبيرا وكل همهن »كبش العيد« لكن من أين؟ إذ يبقى مجرد سراب في صحراءالضياع.. وأكدن عن الوعود بتحسين ظروفهن لكن تبقى مجرد وعود لم تسجد على أرض الواقع.. وتبقى مهنة الفراشة عيشة المساكين الذين لايطالبون سوى مد يد العون من الجهات المعنية بتوفير لهم أماكن لعرض بضائعهم في ظروف حسنة تسمح لهم بعيشة كريمة وتوفر لهم الأمن كذلك النظر بالخصوص إلى جانب النظافة الذي يفتقر إليه السوق الشعب فالدعم المادي هو السبيل الوحيد لمثل كبار السن الذين لا يزالون يعملون من أجل الحصول على بعض الدنانير فلا حل بديل لهم للإسترزاق فبقلة جهد يسعون لسد حاجياتهم وفي مصارعة المرض.. وأما بشأن الجهات الوصية فهي تسعى جاهدة للإخلاء إذ تقوم يوميا بمداهمات بغرض طرد الفراشة الذين لا ملجأ آخر لهم سوى الإبتعاد لبرهة ثم العودة الى مكانهم، لكن عموما ستتم خلال الأيام القليلة القادمة حملة مداهمة إنطلاقا من مدرسة الفلاح سيرا داخل أزقة الحي التجاري الى غاية القضاء الكلي على الفراشة الذين هم في حقيقة الأمر أصحاب المحلات الذين قاموا بإخراج طاولات مستغلين المكان لترويج بضائعهم وستتم المداهمة رفقة أعوان الأمن لتصفية الوجود التجاري ومحاولة القضاء عليه تدريجيا وصولا الى »الخرّادة« الذين يصنعون خردواتهم ويغلقون بذلك أبواب المدارس والمؤسسات التربوية وهذا ما ولد مشكلا آخر وهو عرقلة السير الحسن للدروس وبالتالي تحصيل علمي ضعيف كذلك إعاقة دخول وخروج التلاميذ الى مؤسساتهم. وستكون الإجراءآت صارمة للقضاء على هذا المشكل الزاحف نحو وسط المدينة مشوها بذلك سمعة المدينة التي أصبحت شوارعها الرئيسية والثانوية عبارة عن أسواق مفتوحة إذ تم في الأيام الأخيرة بعث اعذارات الى أصحاب المحلات لادخال معروضاتهم وعدم إستغلال الرصيف لأغراض تجارية بشارع ملاح علي (مارصو سابقا) وكذلك شارع الإستقلال حتى الطحطاحة والقضاء على كل الأسواق العشوائية شارعي بن زرجب ودرغام عدة كذلك نهج زبانة الذي كان معروفا بسوق الهواتف النقالة إذ وضعت الساحة تحت رقابة أعوان الأمن للحد من الظاهرة التي جعلت الباعة يفرون من الساحة ليستقروا أمام المؤسسات التربوية.. وسيتم إغلاق المحلات التي وجهت لها إعذارات إذا لم تتم الإستجابة ومنه القضاء التدريجي على الأسواق الموازية التي أصبحت هاجسا يشل حركة المرور وحتى يعيق السير الحسن للأفراد وهذا ماصرح به رئيس المصلحة التقنية بالقطاع الحضري سيدي البشير (البلاطو) كما أضاف أن السكوت عن هؤلاء الباعة غير الشرعيين هو الشيء الذي أدى إلى تكاثرهم وزحفهم المريع واستغلالهم لكل الشوارع وإذا لم يتم التصدي لهم والوقوف ضدهم فسيستمر الزحف الى غاية وسط المدينة أويتعدى...ذلك