نظم الاتحاد العام للعمال الجزائريين، كما كان مبرمجًا، مسيرة بالجزائر العاصمة، للتنديد بتصويت البرلمان الأوروبي على لائحة تدين حقوق الإنسان في الجزائر، قبل أن يرفع المشاركون فيها شعارات تدعو لتنظيم رئاسيات 12 ديسمبر وتدعم خارطة طريق المؤسسة العسكرية للخروج من الوضع الراهن. وشهدت شوارع العاصمة وأبرز ساحاتها منذ ساعات الصباح الباكر ليوم السبت، تعزيزات أمنية مشدّدة، خصوصًا في ساحة أول ماي، التي شهدت وصول حافلات تابعة لوزارتي التضامن الوطني والأسرة والداخلية والجماعات المحلية تكفلت بنقل المتظاهرين مجانًا، إلى ساحة مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين. وبالمقابل، عزّزت قوات الأمن من تواجدها في ساحتي البريد المركزي، وموريس أودان وشوارع باستور، محمد خميستي، عبد الكريم الخطابي، محمد الخامس، وديدوش مراد، بوسط العاصمة، بينما ظلت مروحية تحلف في سماء العاصمة. وخلال هذه المسيرة، التي انطلقت من مقر المركزية النقابية بساحة أول ماي، مرورًا بشارع حسيبة بن بوعلي، وصولًا إلى ساحة البريد المركزي، ردّد المشاركون شعارات ترفض التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد وتدعو إلى الوحدة الوطنية. كما عبّر المتظاهرون عن دعمهم للمؤسسة العسكرية عن طريق ترديد هتافات "جيش شعب خاوة خاوة" و"الانتخابات واجب وطني". وفي تصريح له على هامش هذه المسيرة، أكد الامين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، سليم لعباطشة، أن “القوى الأجنبية المعادية للجزائر لم تعجبها سليمة الحراك الشعبي”، مما جعلها تلجأ –كما قال– الى “سياسة الاستفزاز تجاه الشعب الجزائري”. وأضاف أن الجزائر تعيش “تحولا ديمقراطيا عميقا وهي مقبلة على استحقاق رئاسي هام سيفضي الى اختيار رئيس للبلاد بطريقة شفافة ونزيهة”. ولم تمنع الإجراءات الأمنية المشدّدة، من احتجاج المتظاهرين الرافضين لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ تجمع المئات للتعبير عن استهجانهم من مسيرة الداعمين لرئاسيات 12 ديسمبر، مرددين: “مكاش انتخابات مع العصابات” و”في العاصمة مكاش الكاشير” في إشارة منهم إلى أن المشاركين في هاته المسيرة تم “شراء ذممهم”. ونشرت السلطات أعداداً من قوات الأمن لتأمين المشاركين، في مسيرات التأييد، منعاً لأي احتكاك محتمل مع الرافضين للانتخابات، حيث وقعت بشكل طفيف مناوشات كلامية بين المشاركين في المسيرات، والرافضين للانتخابات، والذين تجمعوا على الرصيف وهتفوا ضد إجرائها، ما دفع الشرطة إلى اعتقال عدد منهم كانوا يهتفون بشعار “لا انتخابات مع حكومة العصابات”. وشهدت أغلب الولايات مسيرات مماثلة نظمتها جمعيات وأحزاب سياسية موالية للسلطة والجيش، وحرص التلفزيون الرسمي بقنواته الخمس على النقل المباشر لهذه المسيرات. وبثّ برنامجاً مفتوحاً منذ الصباح لتغطيتها من العاصمة والمدن الكبرى، لإعطاء صورة أكبر من حجمها. وتعد هذه المرة الأولى التي تخرج فيها أعداد ضخمة في يوم واحد “تأييداً للعملية الانتخابية” على غرار المظاهرات الرافضة للانتخابات التي تخرج كل يومي ثلاثاء وجمعة من كل أسبوع. وكشفت مصادر أمنية، أن عدد الجماهير التي احتشدت في الساحة لوحدها قارب ألفي شخص، وحمل المتظاهرون الأعلام الجزائرية ولافتات عدة، المقبل. وأعربوا عن وقفوهم إلى جانب المؤسسة العسكرية ضد “حملة التشويه التي تستهدفها من لوبيات داخلية تابعة جناحي الدولة العميقة ومحسوبة على دوائر فرنسية مشبوهة”. ومن بين اللافتات المرفوعة في المظاهرات: “لا مكان للخونة في بلاد الشهداء”، “التدخل الأجنبي حطم الدول”، “12 ديسمبر موعد مع الجزائر”، “يا فرنسا أدي ولادك، الجزائر بلادنا ماشي بلادك” (يا فرنسا خذي أبناءك، الجزائر بلدنا وليست جزء منك”، “الشعب الجزائري سيد القرار.. واش دخلكم فينا (ما دخلكم فينا)”. وشاركت في المظاهرات جمعيات ومنظمات من المجتمع المدني والاتحاد العام للعمال للجزائريين، الذي يعتبر أكبر تجمع نقابي في الجزائر. ومن أمام مقر الاتحاد العمالي، شارك حسان رابحي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة في وقفة تنديد بلائحة إدانة البرلمان الأوروبي الأخيرة الجزائر على ما عدها “اعتقالات تعسفية وغير قانونية”. ووصف الوزير اللائحة ب”العويل والنعيق الذي يهدف لخلق البلبلة والتشويش على الانتخابات الرئاسية”. وشهدت الوقفة مشاركة لافتة من السفير الصيني بالجزائر لي ليا نهي، حيث صرح بأن بلاده ترفض “أي تدخل من أي نوع” في الشأن الداخلي للجزائر، وشدد على “استمرار وقوف بكين إلى جانب الجزائر” كما جاء في تصريحاته. وأصدر البرلمان الأوروبي، الخميس الماضي، لائحة إدانة للجزائر في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية “غير ملزمة” لحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ونددت اللائحة بما أسمته “الاعتقالات التعسفية وغير القانونية التي طالت نشطاء سياسيين وحقوقيين وصحفيين ومتظاهرين وحاملي الراية الأمازيغية” من المظاهرات الرافضة للانتخابات الرئاسية أومن الاحتجاجات “المعرقلة للعملية الانتخابية”. ووجه البرلمان الأوروبي جملة من المطالب رأت فيها الجزائر “استفزازاً وتدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية”، بينها “تغيير القوانين التي تحد من حرية المعتقد والصحافة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المتهمين بممارستهم لحقهم في حرية التعبير”.