ما الواجب على المسلم في حين انتشار الوباء؟ الإجابة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فما ينبغي للمسلم فعله حين انتشار الوباء، وفي أوقات الأزمات عمومًا، بل وفي حياته كلها، يمكن أن نلخصه في ثلاثة أمور، هي: – الأخذ بالأسباب المشروعة. – الاستعانة بالله تعالى، والتوكل عليه. – الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، ولو خالف مراد النفس: فأما الأخذ بالأسباب في قضية الأوبئة، فيتمثل في أمرين: الوقاية لدفع البلاء قبل وقوعه، ثم العلاج لرفعه إذا وقع، وذلك باتباع توجيهات أهل الاختصاص من الأطباء، والمؤسسات الصحية المعنية، فهم أهل الذكر في هذا الشأن. وعدم الإصغاء لمن سواهم من: جاهل يتخرص، أو مغرض يتربص، أو مذياع لكل ما هب ودب. وأما الاستعانة بالله تعالى، والتوكل عليه، فهذا أصل الفلاح، وعنوان النجاح، وبه يتيسر العسير، ويقترب البعيد، وتفرج الكروب، وتزول الهموم والخطوب، وتتنزل الرحمات والبركات. وعلى هذا تتفرع بقية الأسباب الشرعية للعافية، والنجاة، كالدعاء، والذكر، والتوبة، والاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والصدقة، وإعانة الناس، والسعي في مصالحهم. وأما الرضا بقضاء الله وقدره، فبلسم الحياة الذي لا تطيب إلا به، وطيب العيش الذي لا يستقيم إلا عليه. ومبناه على اليقين بكمال علم الله، وحكمته، وعدله، وعظمته، وفضله، ورحمته، وأن مشيئته نافذة لا محالة، فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. وهذه الأمور الثلاثة مستفادة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم. قال القرطبي في المفهم: استعمل الحرص، والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دِينك ودنياك التي تستعين بها على صيانة دِينك، وصيانة عيالك، ومكارم أخلاقك، ولا تفرط في طلب ذلك، ولا تتعاجز عنه متكلًا على القدر، فتنسب للتقصير، وتلام على التفريط شرعًا وعادة. ومع إنهاء الاجتهاد نهايته، وإبلاغ الحرص غايته، فلا بد من الاستعانة بالله، والتوكل عليه، والالتجاء في كل الأمور إليه، فمن سلك هذين الطريقين، حصل على خير الدارين .. وقوله: “وإن أصابك شيء .. ” يعني: أن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله، والرضا بما قدره الله تعالى، والإعراض عن الالتفات لما مضى وفات .. اه. وقال السعدي في بهجة قلوب الأبرار: جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين الإيمان بالقضاء والقدر، والعمل بالأسباب النافعة، وهذان الأصلان دل عليهما الكتاب، والسنة في مواضع كثيرة، ولا يتم الدين إلا بهما، بل لا تتم الأمور المقصودة كلها إلا بهما؛ لأن قوله: «احرص على ما ينفعك»، أمر بكل سبب ديني، ودنيوي، بل أمر بالجد، والاجتهاد فيه، والحرص عليه، نية وهمة، فعلًا وتدبيرًا. وقوله: «واستعن بالله» إيمان بالقضاء والقدر، وأمر بالتوكل على الله الذي هو الاعتماد التام على حوله وقوته تعالى في جلب المصالح، ودفع المضار، مع الثقة التامة بالله في نجاح ذلك؛ فالمتبع للرسول صلى الله عليه وسلم يتعين عليه أن يتوكل على الله في أمر دينه ودنياه، وأن يقوم بكل سبب نافع بحسب قدرته، وعلمه، ومعرفته، والله المستعان. اه. وقال أيضًا: وهذا الأصل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم – وهو الأمر بالحرص على الأمور النافعة، ومن لازمه اجتناب الأمور الضارة، مع الاستعانة بالله – يشمل استعماله، والأمر به في الأمور الجزئية المختصة بالعبد، ومتعلقاته، ويشمل الأمور الكلية المتعلقة بعموم الأمة، فعليهم جميعًا أن يحرصوا على الأمور النافعة، وهي المصالح الكلية، والاستعداد لأعدائهم بكل مستطاع، مما يناسب الوقت، من القوة المعنوية، والمادية، ويبذلوا غاية مقدورهم في ذلك، مستعينين بالله على تحقيقه وتكميله، ودفع جميع ما يضاد ذلك.