يعيش الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة ظروفاً لا يحسد عليها، فما مر على هذا الشعب من احتلالات وحروب ومؤامرات لم تمر على شعب آخر، ففلسطين لم تنعم بأي فترة استقرار وهدوء بعكس دول العالم المختلفة والتي هي الأخرى عانت من حروب واحتلالات ولكنها مرت بمراحل متعددة من الراحة والهدوء. فالناظر لحال الشعب الفلسطيني لا يكاد يصدق حجم هذه الأزمات المتلاحقة وهو بالفعل أمر محير أن ترى كل هذه الضغوط الممارسة من كل الاتجاهات وما زال هذا الشعب متمسك بأرضه ووطنه الذي أحب والذي لا غنى عنه. ومن ضمن ما مر على الشعب الفلسطيني هذا الوباء القاتل المسمى كوفيد 19 (كورونا) غير أن كورونا عندنا ليس كباقي الدول الأخرى، فعندنا يقاوم كورونا بنفس القدر الذي يقاوم فيه الاحتلال وظلمه وغطرسته وهمجيته التي لا حدود لها. فما نشرته وسائل الإعلام المحلية والعالمية لمشهد أقل ما يقال عنه أنه منفر بل ومقزز وغير إنساني لشاب فلسطيني يعمل داخل الخط الأخضر (إسرائيل) ليل نهار ليسد رمق أسرته وليعتاش من عرق جبينه، هذا الفعل الفاضح لهذا الجيش الغير أخلاقي هو الوجه الحقيقي الذي لا يستطيع الاحتلال وإن حاول إخفاءه. فما يتداوله الإعلام الإسرائيلي عن مساعدات تقدمها إسرائيل للسلطة الوطنية الفلسطينية لكي تتغلب على وضع كورونا هو في الحقيقة خدعة تحاول إسرائيل القول من خلالها أنها تشارك بالجهود العالمية لمكافحة هذا الوباء الكوني. فلو كان هذا الإدعاء صحيحاً لما قامت وبطريقة وحشية وغير إنسانية بإلقاء العامل محمد غانم على حاجز عسكري بعيد ومعزول بحالة يرثى لها وليبقى لأكثر من ساعتين متواصلتين بلا أي معين أو منقذ وبحالة صحية ونفسية سيئة، وقد تم تكرار هذا المشهد مرة أخرى لعدد آخر من العمال الذين ظهرت عليهم بعض الأعراض التي أثارت شك سلطات الاحتلال بإصابتهم في فيروس كورونا. إن هذه الأعمال في حقيقتها لا تعبر إلا عن عقلية القرون الوسطى أو عقلية من ينظر لهذا الإنسان وأقرانه على أنهم أقل منه شئنا ولا يستحقون الحياة والعيش بكرامة. هذا الفعل الذي هو جزء بسيط أو عينة صغيرة لما يعانيه الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة تحت الاحتلال وحتى والعالم أجمع يعيش ظروفاً صحية غاية في الخطورة قد تعيد رسم خارطة العالم من جديد حيث أن إقتصادات العالم ستعاني كثيراً بعد هذه الجائحة التي تضرب بقوة كافة أرجاء الكرة الأرضية. فإسرائيل التي استحكمت فيها عقلية الاحتلال والعنصرية والفوقية لا تفرق أبداً بين ظروف صحية عالمية تجتاح هذا العالم أو بين ظروف طبيعية لا يوجد فيها أوبئة أو أمراض، وبجميع الأحوال فالشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال وإجراءاته المتواصلة وليس آخرها إلقاء العمال على الحواجز، فما قامت به سلطات الاحتلال وشرطته في العاصمة المقدسة من منع للمتطوعين الذين يعملون على تنظيف الأماكن العامة والشوارع داخل المدينة واعتقالهم لهو دليل إضافي واضح على هذه الممارسات التي لا تعرف للإنسانية طريق ولا معنى، وهذا ما ذهبنا إليه من قبل بأن الشعب الفلسطيني هو في حقيقة الأمر واقعاً بين مطرقة الاحتلال التي لا ترحم ولا تراعي أية ظروف مهما كانت خطورتها وبين سندان هذا الوباء العالمي سريع الانتشار والذي لم تستطع دولا عظمى بما لديها من إمكانيات من الصمود أمامه.