أُعلن منذ أيام في دراسة نُشرت حديثاً في مجلة "Nature" حول بقايا إنسان نياندرتال تم اكتشافها في بولندا عام 2008، وتمّ تحليل الحمض النووي لعدد من الأسنان، وتبين أن أسلافنا ربما سكنوا في هذه المناطق قبل نحو مئة وستّة عشر ألف عام. وبات الباحثون أكثر ترجيحاً بأن آخر مجموعة من هذه السلالة اختفت آثارها منذ 28 ألف عام، كما عُثر على أدلة جديدة تثبت أنها إنسان أقرب شبها بالإنسان الحديث (الهومو سابينس) أو الإنسان العاقل، وكانت تعيش في أوروبا وغرب أسيا. "النوع: حياة إنسان نياندرتال، الحب، الموت والفن" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحثة الأركيولوجية ريبيكا راغ سايكس، المتخصّصة في العصر الحجري القديم، عن "منشورات بلومزبيري سيغما"، ويغطّي حوالي مئة وخمسين عاماً من الاكتشافات في هذا المجال. تناقش المؤلّفة التاريخ التطوري الأعمق لشجرة عائلتنا، وتاريخ اكتشاف الإنسان البدائي، وتشكل الهيكل العظمي، والآثار والإصابات التي تكشف عن معاناتهم في الحياة، والتقلبات المناخية خلال ثلاثمئة وخمسمئة ألف سنة من وجودهم على هذا الكوكب، والأدوات العظمية التي قاموا بإنتاجها وتركوها وراءهم، ونظامهم الغذائي، والطبيعة المؤقتة لمواقع منازلهم كما تم استنتاجها من آثار المواقد. ويفضّل الكتاب هجراتهم وتنقلهم في الطبيعة، وآثار المواد التي تشير إلى إحساسهم بالجمال، مع توقعات حول طبيعة حياتهم الاجتماعية والعاطفية، وممارساتهم الجنائزية، وأخيراً يقدّم التفسيرات المختلفة التي قدمت لاختفائهم، والتي استغرقت ثمانية أعوام من البحث المتواصل. تلفت سايكس إلى التقدم التكنولوجي الذي أدى إلى فهم أعمق للحمض النووي القديم، إلى جانب إمكانية استخدام الكمبيوتر في تركيب رقائق وشظايا الحجر معاً لإعادة تكوين كيف تم تقطيع وتشكيل قطعة من الحجر إلى أداة، وكذلك استخدام الماسحات الضوئية لتوثيق مواقع الحفر بتفاصيل ثلاثية الأبعاد، وتحليل الطبقات المجهرية في بقايا إنسان نياندرتال، واستخدام النظائر لدراسة المكان الذي ولد فيه أفراد نياندرتال ثم انتقلوا إليه خلال حياتهم. كما توضّح أن المنقبون الأوائل لم يتمكنوا من التمييز بين الصخور المحطمة بشكل طبيعي والصخور المقطوعة عن عمد، وبالتالي تمً التخلص من مجموعات كبيرة من الأدلة في مواقع الحفر دون تسجيلها، ما استدعى اليوم إعادة حفر هذه المواقع لفحصها مجدداً، حول مجتمعات الصيد والجمع التي عاشها نياندرتال من وجهة نظر جديدة، وتبرز تطوّره النفسي والعقلي في أمور عديدة.