يجني الرؤساء الامريكيون بعد خروجهم من البيت الابيض من الأموال أضعاف ما حصلوا عليه وهم في سدة الرئاسة، وذلك من خلال كتابة ونشر مذكراتهم عن السنوات الأربع أو الثماني التي قضوها داخل البيت الابيض. صحيفة النيويورك تايمز الامريكية كتبت مؤخرا على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق بارك أوباما أنه انتهى منذ فترة من كتابة مذكراته لكنه تعمد ألا ينشرها في موسم الانتخابات الأخيرة، مفضلا تأجيله كي لا يؤثر النشر على تركيز الناخب الامريكي من أنصار ومؤيدي الحزب الديمقراطي. يتكون كتاب أوباما الموسوم ب «الأرض الموعودة» في إشارة إلى أرض الفرص والأحلام الأمريكية من جزئين عدد صفاحاتهما 768 صفحة. وقد صدر الجزء الأول بالفعل في 17 نوفمبر عن دار «بينغوين راندوم هاوس»، مشتملا على سيرته السياسية المبكرة وحملته الرئاسية عام 2008 ومنتهيًا بانجازه، الذي لطالما افتخر به، وهو القضاء على أسامة بن لادن في مخبئه بمدينة أبوت آباد الباكستانية سنة 2011. أما الجزء الثاني الذي ربما كان الأهم فلم يعلن بعد عن تاريخ ظهوره. الملاحظ هنا أن أوباما حرص على أن يُصدر كتابه بالتزامن في جميع أنحاء العالم في 25 لغة منها الأسبانية والصينية والعربية والتشيكية والفنلندية والفيتنامية، وذلك طمعا في تحقيق مكاسب مالية مضاعفة على غرار ما فعلته زوجته ميشيل من قبل حينما نشرت مذكراتها في عام 2018 عن دار براون مقابل 65 مليون دولار، علما بأن كتاب ميشيل أوباما هذا بيع منه حتى الآن أكثر من ثمانية ملايين نسخة في الولاياتالمتحدة وكندا وغيرهما من الدول. ويتوقع أوباما أن ينافس زوجته في عدد النسخ المباعة من كتابه وفي جني الأرباح. ولهذ اتفق مع دار براون أن تنشر مليون نسخة إضافية من كتابه وتشحنها إلى الولاياتالمتحدة في 112 حاوية. ولعل ما شجع أوباما أكثر هو أن كتابه الأول الموسوم ب«أحلام من والدي» الذي صدر عام 1995 بيع منه أكثر من 3.3 مليون نسخة في الولاياتالمتحدة وكندا، وأن كتابه الثاني «جرأة الأمل» الذي صدر عام 2006 بيع منه أكثر من 4.2 مليون نسخة. لم يطلع كاتب هذه السطور بعد على كتاب أوباما الجديد، لكنه قرأ عرضًا شاملاً عن محتواه، وقرأ أيضا ما قاله أوباما بنفسه عنه من أنه قضى وقتا طويلا في تأليفه، وأنه حاول أن يقدم فيه تقريرًا صريحًا عن الأحداث الرئيسة التي عاصرها وهو يتولى قيادة بلاده، وعن الشخصيات التي عملت معه أو تعامل معها، وعن الأخطاء التي ارتكبها، وعن القوى السياسية والاقتصادية والثقافية التي كان عليه وعلى فريقه مواجهتها، مختتمًا حديثه بأنه يأمل أن يلهم الكتاب الشباب «للعب دور في إعادة تشكيل العالم بصورة أفضل». علاوة على ما سبق إطلع كاتب السطور على بعض التعليقات التي صدرت حول الكتاب، وتحديدًا تعليق المعارضة الهندية، ممثلة بحزب المؤتمر الهندي، والتي أبدت استياءً شديدًا من الكتاب لما احتواه من كلام غير مقبول بحق زعيمه «راهول غاندي» ووالدة الأخير السيدة سونيا غاندي التي لم يرَ فيها السيد أوباما سوى أنها من بين الإناث الجميلات. والحقيقة أن أوباما تحدث في كتابه عن ثمة زعماء ممن قابلهم، فوصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مثلاً بأنه «جسديًا لا يبدو ملحوظًا»، ووصف الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالجريء والانتهازي، وسخر من الزعيم الصيني السابق «هو جينتاو» لأنه حينما التقاه في بكين كان يقرأ من أكوام من الأوراق المعدة، فتساءل «أليس من الأفضل إعطائنا تلك الأوراق لنقرأها في أوقات فراغنا بدلاً من تضييع الوقت؟». لكنه حينما أتي على ذكر الهنود وصف رئيس الوزراء الهندي السابق «مانموهان سينغ» بأنه يتمتع بنوع من النزاهة غير الفعالة المتناغمة مع سيئات الدولة العميقة، ثم وصف «راهول غاندي» بأنه شخصية عصبية ومتوترة وقال عنه: «إنه كما لو كان طالبًا قد أنهى واجباته الدراسية ويريد إقناع معلمه دون أن يمتلك ملكات الإقناع». لم يكتفِ أوباما بما سبق وإنما تجاوزه إلى ما يشبه التدخل في الشأن الداخلي الهندي بصيغة الإملاء والتحريض، وذلك حينما كتب عن حاجة أعضاء حزب المؤتمر لطرد السلالة النهرو / غاندية من حزبهم لأنها بحسبه رمز للإقطاع والتعفن ونموذج استنسختها أحزاب أخرى في أماكن عديدة، ولم تقدم للهند شيئا لجهة محاربة الفقر وتعزيز ثروة البلاد. والمعروف أن أوباما إلتقى غاندي مرتين فقط لفترة قصيرة، الأولى في واشنطون عام 2010 بصفته الأمين العام لحزب المؤتمر الحاكم، والثانية في نيودلهي خلال زيارة أوباما للهند عام 2017، ولهذا رد أحد نواب حزب المؤتمر المعارض على أوباما قائلاً: «يا سيد أوباما.. لا أحد يستطيع معرفة أي شخص خلال خمس أو عشر دقائق.. أحيانًا يستغرق الأمر سنوات.. أنت مخطئ في الحكم على شخصية راهول غاندي». أما المتحدثة الرسمية باسم الحزب فقد غردت قائلة: «لسنا بحاجة إلى باراك أوباما ليصدر حكمًا على زعيمنا راهول غاندي». الأيام البحرينية