انتهت السنة الأخيرة من العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، لتفتح الطريق لسنة جديدة، بداية لعقد جديد، العقد الثالث من هذا القرن، الذي سيحمل لنا الكثير من التغييرات الحازمة، على جميع الصعد، سواء ما كان منها محليا أو إقليميا أو دوليا. هذه التغييرات وبكل تأكيد، ستضع فصل الختام لجميع ما جرى ويجري حتى هذه اللحظة في منطقتنا العربية، من خراب ودمار للأوطان والشعوب، وضياع بوصلة الطريق، بعد أن اختلط حابلها بنابلها، بتعدد مراكز صناعة القرار، التي تعتمد على القوة العسكرية ذات الارتباط الإقليمي والدولي، على حساب الرابط الوطني، الذي تراجع واختفى من مفردات الخطاب السياسي لهذه المراكز. ففي اليمن مراكز عديدة، تمتلك القوة العسكرية الضاربة والفاعلة على الأرض، التي تمسك بها، وكل منها تدعي تمثيلها للشعب اليمني، في الشمال الحوثيون، المدعومون إيرانيا، الذين يسيطرون تقريبا،على جميع أراضي اليمن بحدوده التي كانت قائمة قبل الوحدة. وفي الجنوب قوات الانتقالي المدعومون إماراتيا، الذين يسيطرون على قسم كبير من أراضي الجنوب، بالإضافة إلى قوات الرئيس هادي، التي تحظى بالدعم والإسناد السعودي. أما في سوريا فلم يكن الوضع فيها أفضل من غيرها من الدول العربية، التي كانت مسرحا للقوى الدولية والإقليمية، بعد التغييرات الدراماتيكية التي أحدثها ما سمي زورا وبهتانا بالربيع العربي، وهو في حقيقته، ومن حيث اتجاه حركته، وليس خط الشروع الأول لانطلاقه، خراب عربي، بكل ما تعنيه هذه الكلمة. دول (الربيع العربي) وخلال العقد الذي ودعناه قبل أيام، ليبيا، سوريا، اليمن، كل منها ترزح تحت ثقل القتال بين الأخوة الأعداء، وهو قتال عبثي لا يفضي، وبأي شكل كان إلى نتيجة جدية وواضحة، في الحفاظ على وحدة الوطن، وحقن دماء أبنائه، بل العكس هو الصحيح في هذه المعادلة، التي لا تمت بأي صلة إلى هموم الشعب، وتوقه إلى الحرية والانعتاق من ربقة الظلم، ومصادرة العقل بتطويق حريته، بل إن ما جرى ويجري إلى الآن هو بالضد من هذا التوق الوطني والإنساني والأخلاقي، المشروع. الأدهى من كل الذي جرى خلال العقد الذي ختمنا نهايته قبل أيام، هو الدمار وسفك الدماء، بلا أدنى بارقة أمل، ولو بضوء شحيح، يزيح قليلا ظلام العقد الذي انقضى، وهو في جميع المقاييس أشد عتمة من عقود استبداد الأنظمة العربية، التي تم طي صحائفها من حركة التاريخ العربي، المستمر بدونها، إنما المشهد السياسي في تلك الدول تتوزع تحريكه، القوى الدولية والإقليمية، والبعض من الدول العربية، الإمارات مثلا في ليبيا واليمن.. لصالح مشاريعها، بتجنيد القوى المحلية، ومدها بالمال والسلاح والإعلام، وما يتصل بهذا كله في تغييب كامل لإرادة الشعب الحقيقية، من خلال طمس الحقائق عنه. بكل تأكيد أن السنوات المقبلة من هذا العقد الذي بدأ من أيام قليلة، سيشهد حلحلة هذه المعضلات، أو تسوية خنادق وأنهار الدماء التي لم تزل تسيل على وجه الأرض العربية. لكن الأسئلة هنا، كيف يكون الحل، وعلى أي طريق يكون ولمصلحة من، الشعوب العربية، أم أعداء الشعوب من عرّابي الحلول المقبلة، وما هو رد الشعوب إن كان الحل بالضد من إرادتها، وكيف تكون توافقات القوى الدولية والإقليمية والعربية ونقصد هنا بالأخيرة، الدول العربية، التي قبلت أن تلعب دور الوكيل عن أمريكا والكيان الصهيوني، وما هو حجم المقايضات والمنافع والمصالح للقوى الإقليمية والدولية، وما دور الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني، إضافة إلى الدول العربية التي تقف في طابور التطبيع، بانتظار الوقت المناسب، بتغيير البيئة السياسية في الأوطان العربية؟ بالإضافة إلى ما تقدم، يقع العراق والقضية الفلسطينية في الصدارة لهذه الحلول، التي لا محال ستتحول إلى واقع، يتم تثبيته على ركائز متينة، تمتد إلى عمق الأرض. العراق الذي يقف الان على حافة الهاوية في الاقتصاد والجغرافية السياسية، وفعل قوى السلطة (والعملية السياسية) على أرض الواقع، وأي الطرق سوف يسلك للخروج من هذه الغمة، وما دور الشعب العراقي في رسم هذا المسار، الذي سينطلق لساحة تلعب فيها القوى الدولية والقوى الإقليمية والعربية دورها، لتلبية مصالحها ومنافعها وفضاءاتها الجيوسياسية، خارج جغرافية حدودها، هنا يكون لهذا الشعب العريق، الذي عركته التجارب، وساهمت في تصليب عوده، وتقوية إرادته وحسه الوطني الكاشف، لما يخطط في الخفاء من مؤامرات، يجري تدبيرها وراء الأبواب المغلقة، ضد كيانه كدولة واحدة، وضد حاضره ومستقبله، اجتراح الطريق الوطني الخاص به، من خارج ميدان ملعب القوى الدولية والإقليمية والعربية (والمقصود هنا أنظمة الحكم العربي وليس الشعوب العربية) بما يضمن له وطنا وشعبا، الخروج من هذه الحرائق التي أتت على كل جميل فيه.. ووضع خريطة واضحة، والتحشيد الهادف، لانتزاع السيادة من فم الغول الأمريكي.. أما في ما يخص فلسطين الشعب، فالوضع أكثر تعقيدا واشتباكا، بفعل توزع المواقف بين الجهادي المناضل والسلطة الفلسطينية، ما أثّر تأثيرا بالغا في القضية الفلسطينية. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية والاحتلال الإسرائيلي، يخططان لإبدال السلطة الفلسطينية الحالية، بأخرى غيرها، بحجة أن دورها قد انتهى بفعل الزمن وتغيراته، ما يستدعي إحلال سلطة شابة غيرها، تستجيب للتغييرات، التي هي وبكل تأكيد بالضد من إرادة شعب فلسطين المجاهد والمناضل، بكل ما يتيسر له من أسلحة المواجهة، أو يقوم هو بتخليقها بقدراته الذاتية. إن السنوات المقبلة هي التي ستتولى تقديم الإجابة لنا، سواء في ما يخص العراق، أو في ما يخص فلسطين. أما في اليمن، فالسؤال هنا، هل يستطيع الشعب اليمني المحافظة على وحدته والتصدي لما يخطط له، بالعودة إلى تقسيمه إلى دولتين. يظل هذا السؤال والإجابة عليه معلقة على ما سيحدث في مقبل السنوات.. والأمر ذاته ينطبق بالكامل على سوريا وليبيا، ولو بشكل وطريق مختلفين.. أما مصر والسودان، فالربيع فيهما، تم رسم محيط حركته على الأرض، وبوابة الخروج فيه، حتى قبل بداية هذه الحركة، بقلم رسام ملمٍ وخبير بتضاريس وجغرافية هذه الأرض، باستثمار تنوع هذه التضاريس وثرائها وعطشها لمياه الحرية، وتنمية هذا الثراء، وتوسع دائرته لصالحه.. بمعنى أكثر وضوحا ودقة، حرف مسارات هذا الربيع بما يخدم استراتيجيته (المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية) الذي لا يحتاج في هذا العقد، في الدولتين سابقتي الإشارة إلا إلى ترسيخه.. في الختام أقول إن سنوات هذا العقد، سترسم الشكل النهائي للمنطقة العربية وحتى الدول المجاورة لها.. وهنا يكون من واجب الواجب على الشعوب العربية، وعلى الشعوب الإسلامية المجاورة لها، أن يكون لها دور حاسم في التغيير، يحفظ لها حقها في الحياة الآمنة والمستقرة، والمحافظة على وحدة أوطانها، وعلى حقها في الحرية والتنمية والسلام.. وحيازة عوامل القوة والقدرة لصناعة قواعد سلام راسخ. القدس العربي