الفضائيات مطالبة باحترام خصوصيات رمضان    الرئيس تبون: الدولة لن تدخرأي جهد    الرئيس يعزي عائلات شهداء الجيش الوطني    سعيود يستعرض آفاق تطوير القطاع    المولودية تبتعد    تصريح مثير لزكري    الذكرى 54 لتأميم المحروقات نقطة تحول فارقة في تاريخ البلاد    ضرورة تقديم برامج متنوعة وراقية خلال شهر رمضان    الدولة لن تدخر أي جهد لتعزيز مكاسب استفاد منها العمال    المعهد الوطني للصحة العمومية ينظم يوما إعلاميا    خنشلة : مصالح أمن الولاية حملة للتبرع بالدم في الشرطة    وفرة و"رحمة" تنبّئان برمضان استثنائي    مهمة عسيرة ل"الحمراوة"    قسنطينة على صفحة نادي ليفربول    مراجعة قانونَي الولاية والبلدية خطوة استراتيجية هامة    بوغالي يعزّي في وفاة ثلاثة عسكريين    توسيع استفادة أبناء الجالية من فرص التعليم وفق البرنامج الوطني    أوامر بإنهاء مشروع حماية المدينة من الفيضانات    "سونلغاز" عنابة تؤمن التزويد بالكهرباء والغاز    صناعة صيدلانية: شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    فارسي يعود لأجواء المنافسة ويريح بيتكوفيتش    وزير الرياضة يدعو الصحافة الوطنية إلى تشكيل جبهة لمواجهة الحملات الخارجية    الصحراء الغربية : وفود أجنبية متضامنة تحضر فعاليات التظاهرة الدولية "صحراء ماراطون"    حق اللجوء يتراجع عالمياً    هذه توجيهات الرئيس للحكومة..    تحذيرات فلسطينية وأممية من تصعيد الاحتلال لعدوانه    انتهاك صارخ للقانون الدولي وفضح للوجه العدائي الفرنسي    المال بدل قفة رمضان    نظارات لفائدة التلاميذ    "مفدي زكريا" يستضيف فن التصميم الإيطالي    المبعوثة الأممية تؤكّد أهمية التواصل مع جميع الأطراف    البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية للتصدي لمخطط تهجير الفلسطينيين    المجلس الشعبي الوطني: وزير الثقافة والفنون يستعرض واقع وآفاق القطاع أمام لجنة الثقافة والاتصال والسياحة    42 بالمائة من المياه الصالحة للشرب ستؤمن من مصانع التحلية    السيد مراد يلتقي بمدريد بنظيره الاسباني    سايحي يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية المستقلة للقابلات الجزائريات للصحة العمومية    الوزير الأول يشرف بحاسي مسعود على مراسم إحياء الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات    تأميم المحروقات من اهم القرارات الحاسمة في تاريخ الجزائر المستقلة    نعم انتصرت المقاومة وإسرائيل تتفكك رويدًا رويدًا    محروقات: وكالة "ألنفط" تعتزم إطلاق مناقصة دولية جديدة في أكتوبر المقبل    المجلس الوطني الفلسطيني: استخدام الاحتلال للدبابات في "جنين" يهدف لتدمير حياة الفلسطينيين    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    رؤية شاملة لمواصلة لعب الأدوار الأولى    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    الشوق لرمضان    توقيف لاعبَيْ مولودية الجزائر واتحاد بسكرة 6 مقابلات    تتويج زينب عايش بالمرتبة الأولى    تقديم العرض الشرفي الأول لفيلم "من أجلك.. حسناء" للمخرج خالد كبيش بالجزائر العاصمة    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب داخل العالم وليس خارجه!
نشر في الحياة العربية يوم 16 - 06 - 2021

في مواجهة الانتفاضات الديمقراطية التي اجتاحت بلاد العرب في موجتين، 2011 و2019، عملت نخب الحكم على توظيف مقولات خصوصية وتفرد المجتمعات العربية لكي تبرر رفضها للتداول السلمي للسلطة وتراجع حكم القانون وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات.
بداية، تمثل مقولات الخصوصية العربية السهم الجاهز دوما للرمي الذي تواجه به النخب الحاكمة تدخلات الخارج الأمريكي والأوروبي الذي يوصم بالمركزية الغربية ويرمى بعدم فهم حقائق الواقع العربي. توظف مقولات الخصوصية، ثانيا، لتسفيه الطلب الشعبي على الديمقراطية التي ترادف نخب الحكم بين الدعوة إليها وبين نشر الفوضى.
ثالثا، تستخدم بعض القوى الاجتماعية والسياسية، تحديدا الحركات الدينية، يافطة الخصوصية لإضفاء هالة من القداسة واحتكار الحقيقة المطلقة على رؤيتها هي للدولة والمجتمع والتغيير واستبعاد تصورات الأحزاب والحركات العلمانية بادعاء طابعها الغربي وعدم ملاءمتها للواقع العربي.
العقدة الماثلة أمامنا هنا هي الطبيعة الإطلاقية لمقولات الخصوصية ونتائجها السياسية شديدة المحافظة. فهناك من جهة في معرض تناول قضية النموذج الأمثل للتحول الديمقراطي الدفع بعدم عالمية الخبرة الغربية وما أفرزته من صياغة ليبرالية لعلاقة الدولة والمجتمع والفرد المواطن. تشير النقاشات المتواترة في الفضاء العام العربي إما إلى خصوصية الغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين بحكم الظاهرة الاستعمارية والثورة الصناعية، أو إلى اختلاف المسارات السياسية للمجتمعات الأوروبية إذا ما قورنت على سبيل المثال حالة بريطانيا بألمانيا، أو إلى أوجه قصور في ديموقراطيات العالم المتقدم إما متوهمة من شاكلة الفردية والمادية وتهميش الدين أو حقيقية مثل هيمنة أصحاب الأموال والتكنوقراط والتي تحد في نهاية المطاف من مصداقية الديمقراطية الغربية داخل وخارج مواطنها.
وواقع الأمر أن فساد مثل هذه النظرة لا يرتبط بالأساس بعدم دقة بعض جزئياتها، وإنما بتجاهلها المشترك العالمي في الخبرات التاريخية المتنوعة ومعايير التقييم الموضوعي للأخيرة فضلاً عن تناسيها مغزى ظرف العولمة الراهن. لا يمكن إدراك سعي البشرية الدؤوب نحو المزيد من الحرية والمساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان إلا باعتباره قيمة عامة تعارفنا وتوافقنا عليها جميعاً بعد تجارب مريرة في شتى بقاع الأرض. هنا تبدو عبقرية التجربة الغربية الحديثة بشقيها، الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق الرأسمالي (تحديدا اقتصاد السوق ذو البعد الاجتماعي الذي يطبقه الكثير من الخبرات الأوروبية المعاصرة) والتي أنجزت أكثر نماذج البشرية رقياً وقرباً من الحرية والمساواة والعدالة على نحو يجعل من التساؤل حول إمكانيات استلهامها الشامل أو الجزئي خارج أوروبا وأمريكا الشمالية أمرا متوقعا ومشروعا.
وحين يضاف إلى هذه الحقيقة زمانية العولمة، ليس بالمعنى القدري الرائج في نقاشات المثقفين العرب في سياق رمزية تذكر بطوفان نوح، وإنما على أنها تعني تسارع معدلات التواصل والتفاعل والحراك بين اقتصاديات وسياسات وثقافات ومواطني أقاليم العالم المختلفة، يصير واضحا أن هناك نزعة طاغية نحو التوحد الكوني تتقارب معها تدريجياً توقعات ورؤى إنسان القرن الحادي والعشرين للمستقبل ومعاييره في الحكم على الأمور بصورة تتخطى حدود الدول القومية والإطارات الحضارية.
لذلك، تتهاوى المنطلقات الفكرية والسياسية والاجتماعية لمقولات الخصوصية العربية وخطابات تفرد مجتمعاتنا. ويصير في إنكار النخب الحاكمة لحق العرب في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحكم القانون، وكذلك في نزوع تلك النخب نحو تصوير الديمقراطية كأمر غير ملائم للواقع العربي، الدليل الأكبر على رغبة الحكام في احتكار السلطة وفرض الطاعة على المواطنين وتهديدهم بالقمع والعقاب حال عدم الامتثال.
من ذات النافذة، الخصوصية العربية، يطل علينا أيضاً وهم مسؤولية الغرب عن الأزمات السياسية والاجتماعية المتتالية لبلادنا.
يتراجع في العديد من الأحيان التعامل النقدي مع مشكلات السياسة والمجتمع خلف ستر حاجبة تنسجها أحاديث متواترة عن سياسات القوى الكبرى وانعكاسات صراعاتها منذ قرون على قضايا المنطقة التي تبدو وكأنها ساحة مفرغة من الفاعلين المحليين وقابلة فقط لفعل أطراف خارجية معادية لا ترغب في تقدم العرب وتحيك ضدهم المؤامرات بانتظام. وبغض النظر، من جهة، عن صحة بعض الاستشهادات التاريخية الموظفة في تلك السياقات والمرتبطة عادة بحقبة الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر والعشرين مرورا بتأسيس إسرائيل (1948) وانتهاء بالهيمنة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومن جهة أخرى عن الخلل الموضوعي الكامل للنظريات المتداولة بشأن التآمر الغربي على العرب قبيل وأثناء الانتفاضات الديمقراطية المعاصرة وهي تلك النظريات التي روجت لها النخب الحاكمة الخائفة من التغيير في بلاد العرب، بغض النظر عن كل ذلك يظل الهدف الأبرز لتحميل الغرب مسؤولية أزماتنا السياسية والاجتماعية هو إعفاء الذات الجمعية العربية من مسؤوليتها هي الفعلية عن غياب الديمقراطية وعن تدني معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي وعن تراجعنا الكارثي في مجالات المعرفة العلمية والتقدم التكنولوجي. كما أن تحميل الغرب مسؤولية أزماتنا يمكننا كعرب من إضفاء رمزية الضحية على وجودنا حيث يصبح الآخر الغربي هو المسؤول عن إخفاقاتنا وعذاباتنا وأيضا المالك الوحيد لقدرة خلاصنا النهائي منها.
ثم تأتي مقولات الخصوصية الدينية والثقافية لبلاد العرب التي تطلقها الحركات الدينية في معرض سعيها لادعاء احتكار الحقيقة المطلقة ومحاربتها للأحزاب والحركات العلمانية بسلاح نزع المصداقية. غير أن مقولات الخصوصية الدينية والثقافية التي ترسم صورة وهمية للعرب كراغبين في الحكم الديني وصورة غير موضوعية للعلمانيين العرب كدعاة تغريب واغتراب، مثل هذه المقولات لا ترتكز إلى شواهد موضوعية وتنبني على رؤية معكوسة لترابطات الدين والثقافة والمجتمع تجعل من الأول والثانية مهيمنين على الأخير في حين أن وقائع التاريخ لا تعرف إلا متغيرات دينية وثقافية تتبدل معانيها ووظائفها بتبدل أحوال المجتمع وتطلعات المواطنين.
إزاء مقولات الخصوصية العربية التي توظفها إن النخب الحاكمة غير الراغبة في التداول السلمي للسلطة أو الحركات الدينية التي تريد أن تفرض رؤاها للدولة والمجتمع كحقائق مطلقة، تصبح مهمة القوى العلمانية والتحديثية في بلاد العرب صياغة فهم للسياسة والمجتمع والديمقراطية المنشودة يتخطى حديث الخصوصية ويكتشف مساحات الفعل العالمي ويدرك المتراكم من قيم إنسانية مشتركة تدفعنا جميعا إلى طلب الحق والحرية والعدل والتقدم ورفض الحقائق المطلقة.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.