أحيت أمس، دار الثقافة مالك حداد بقسنطينة، الذكرى الخامسة لرحيل فنان المألوف الحاج محمد الطاهر الفرقاني (1928-2016) و هي المناسبة التي تعد بمثابة جسر للتواصل مع الأجيال الصاعدة يتم من خلالها استحضار الرصيد الحافل والمتنوع لصاحب رائعة "يا ظالمة". وبالمناسبة قال سليم الفرقاني نجل الراحل، إن والده كان قدوة ومسيرة فنية كبيرة دامت 70 سنة من العطاء في مختلف الطبوع تاركا وراءه رصيدا فنيا ثريا، مضيفا أنه حمل المشعل عن أبيه ولا يزال يسير على دربه حفاظا على هذا الفن وتوريثه للأجيال، وأشار أنه لا يزال يجتهد في المحافظة على إرث والده الذي رحل بجسده لكن ذكراه ستظل خالدة وسط محبيه. من جهته، قال الفنان زين الدين بوشعالة أن خاله الراحل محمد الطاهر الفرقاني كان بمثابة المدرسة التي لا تفنى، مضيفا أنه لا يزال إلى غاية اليوم يعمل بوصاياه في إحياء هذا الفن الأصيل، كما أكد أن هناك شبابا باستطاعتهم السير على درب سلطان المالوف و ذلك بالعمل والمثابرة للحفاظ على هذا الموروث الفني الأصيل، معتبرا إحياء كل سنة ذكرى رحيل محمد الطاهر الفرقاني يمثل عربون عرفان وتقدير لهرم موسيقي كبير ترك تراثا مسجلا يشهد لمجهوداته للحفاظ على موروث موسيقي أصيل. وتخلل الحفل إقامة معرض ببهو دار الثقافة مالك حداد تضمن صورا فوتوغرافية للراحل محمد الطاهر الفرقاني والآلات الموسيقية التي كان يعزف عليها وكذا الملابس التي كان يرتديها في إحياء حفلاته الفنية وهو المعرض الذي جلب إليه جمهورا غفيرا. كما تم بالمناسبة عرض وثائقي يختزل مسار عميد مدرسة المالوف بالإضافة إلى تكريم بعض الوجوه الفنية المعروفة على غرار عبد الحميد بوزاهر وعبد الله المناعي وعبد القادر شرشام، واختتم الحفل بوصلات غنائية أداها حفيد عميد أغنية المالوف القسنطيني عدلان الفرقاني وذلك وسط تجاوب لافت للجمهور الذي غصت به القاعة الكبرى لدار الثقافة مالك حداد. الحاج محمد الطاهر الفرقاني "مرجعا للموسيقى الاندلسية" محمد الطاهر الفرقاني ، قامة من قامات الثقافة الجزائرية، ومرجع ثري للموسيقى الأندلسية، محمد الطاهر الفرقاني، الذي كتب اسمه بأحرف من ذهب، في تراث المالوف، وفي قلوب عشاق هذا الفن بعد حياة طويلة كرسها لهذ النوع من الموسيقى، واذا كان اسم الفرقاني مقرونا بالتاريخ المعاصر لمدينة قسنطينة وثقافتها عبر المالوف وغناء لفكيرات والطرز، فان محمد الطاهر الفرقاني، يشكل هوية فنية لهذه المدينة والمركز التاريخي العتيق للترات الثقافي المرموق. ويشكل "الحاج" كما يدعوه عشاقه، مرجعا موسيقيا ومدرسة تبناها مئات الفنانين الشباب والموسيقيين حتى وان لم يدرس الموسيقى يوما بشكل تقليدي، الا ان فرقته الموسيقية شكلت فضلا عن تعليم قدور درسوني بالكونسرفاتوار احدى ارقي اقسام المالوف. كما ان فن محمد الطاهر الفرقاني، الذي ورثه عن والده حمو، لايزال يشع كذلك على المدارس الاندلسية الاخرى في الجزائر كما يشهد على ذلك كريم بوغازي، مغني المدرسة الغرناطية بتلمسان الذي يؤكد انه تأثر بفنه وطريقة غنائه حتى وان كان من مدرسة مختلفة، ويعترف له كذلك في تلمسان بتواضعه وارثه الهام، -حسب ما اكده ناصر غفور، الذي يرى فيه مدرسة كبرى ينشطها اليوم كل اولئك الذين تعلموا لديه على غرار نجله سليم، الذي يدرس الموسيقى في فرنسا وحفيده عدلان الذي استلم المشعل على الساحة. من جانبه اشاد فنان المالوف الاكثر بروزا منذ سنوات، عباس ريغي، بأيقونة وشخصية ذات بعد دولي ترك بصمته في جيل عصره و دون اسمه في تاريخ المالوف و التراث الجزائري بشكل دائم، مؤكدا بأن محمد الطاهر فرقاني يبقى قدوته و مرجعا للشباب الحالي وحتى جيلي ال70 و ال80. وعلى الرغم من التفاعل الذي تشهده الساحة الفنية في فن المالوف الا ان الفراغ الذي تركه محمد الطاهر الفرقاني يصعب ملؤه، في نظر الموسيقي نور الدين سعودي، الذي يرى ان لدى الفنان صفات صوتية طبيعية فريدة من نوعها وتراث موسيقي غني جدا. تجدر الاشارة الى ان محمد الطاهر الفرقاني قد ولد بقسنطينة في سنة 1928، حيث تعلم في مشواره فن الطرز على يد شقيقيه، اما بداية مشواره الفني فكان بالأغنية الشرقية قبل ان يغير مساره و يتجه نحو المالوف تحت تأثير شيخيه حسونة علي خوجة وبابا عبيد. بعد تسجيل اول له في سنة 1951، قام الفنان بتحسين فنه لدى كبار الاسماء في الموسيقي الاندلسية على غرار دحمان بن عاشور وعبد الكريم دالي ليتحكم في جميع الآلات الموسيقية التقليدية و يصبح مشهورا بحركة قوس كمانه الفريدة و دقته في العزف على العود و بشكل خاص لرنة صوته النادرة، ويتضمن رصيده الفني مئات التسجيلات لأغاني المالوف وكذلك انواع موسيقية اخرى مثل المحجوز والزجول والحوزي، ويعود اخر ظهور لمحمد الطاهر الفرقاني على الساحة الفنية الى شهر جويلية 2015 بمناسبة التكريم الذي خصصه لوالده حمو الفرقاني وشقيقه محمد الصديق المدعو زواوي في اطار تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وتوفي صاحب أغاني "البوغي" قالو لعرب قالو" و "يالظلمة" في ذات 7 ديسمبر 2016.