تكتسي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، يوم الخميس، أهمية بالغة لإعادة إنعاش العلاقات المتعثرة بين البلدين في السنوات الأخيرة وإحياء الشراكة الاقتصادية على قواعد جديدة، لا تكون فيها الجزائر مجرد سوق لتصريف البضاعة الفرنسية. يحل ماكرون في الجزائر 3 أيام في زيارة ستقوده فضلا عن العاصمة إلى مدينة وهران. وسيكون الرئيس الفرنسي على رأس وفد يضم وزيرة الخارجية كاترين كولونا ووزراء قطاعات اقتصادية بالإضافة إلى شخصيات دينية بارزة. وتمثل هذه الزيارة بالنسبة للرئيسين محطة للانطلاق في علاقات جديدة، بعد فترة التوتر التي امتدت من شهر سبتمبر الماضي. كما أن جائحة كوفيد 19 عطلت تماما الشراكة الاقتصادية بين البلدين وتسببت في إلغاء زيارة الوزير الأول الفرنسي جون كاستكس العام الماضي للجزائر، والتي كان مقررا أن تنبعث على إثرها عدد من المشاريع المشتركة. ولعل ما أعاد الحرارة للعلاقات بين البلدين، فوز الرئيس ماكرون بولاية ثانية وزوال شبح وصول اليمين المتطرف للسلطة بفرنسا في ظل نظرته العدائية للجزائر وجاليتها الكبيرة المقيمة في هذا البلد. وفي الرسالة التي وجهها الرئيس عبد المجيد تبون لماكرون بمناسبة فوزه، ما يؤكد ذلك، إذ ذكر فيها أنه يتمنى أن تكون العهدة الثانية لماكرون "ثرية بالجهد المشترك في مسار العلاقات الثنائية للوصول بها إلى أفضل المستويات المأمولة"، وتابع "أقدِّر أهمية الفرصة التاريخية المتاحة لنا لاستشراف المستقبل والتكفل بطموحاتنا بشجاعة ومسؤولية". لكن الجزائر في سعيها لتحسين العلاقات مع فرنسا، تبحث عن توازنات تضمن لها الحفاظ على سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وتقوم الرؤية التي يجب أن تبنى على أساسها العلاقات، وفق ما ورد في رسالة الرئيس تبون، على أساس منطلقات "احترام السيادة، وتوازن المصالح التي نتقاسمها فيما يتعلق بالذاكرة وبالعلاقات الإنسانية، والمشاورات السياسية، والاستشراف الاستراتيجي، والتعاون الاقتصادي والتفاعلات في كافة مستويات العمل المشترك". ويمثل الجانب الاقتصادي، أكثر المجالات القابلة للتعاون والتفاهم بين البلدين. وما تريده الجزائر، وفق تصريحات مسؤوليها، البحث عن شراكات رابحة واستثمارات منتجة في البلاد تساعدها على تنويع الاقتصاد والخروج من الاعتماد المطلق على ريع المحروقات. وتوجد عدة استثمارات فرنسية يمكن تفعيلها، أهمها مصنع بيجو للسيارات الذي سبق لمسؤولين جزائريين أن أكدوا إمكانية بعثه قريبا. بالإضافة إلى استثمارات شركة توتال الفرنسية في الغاز والبترول، وقد دخلت هذه الشركة مؤخرا في شراكة مع سوناطراك وإيني الإيطالية لتطوير حقل غاز ضخم باستثمار يصل إلى 4 مليار دولار. ومن الجانب الفرنسي، تريد باريس البقاء كلاعب اقتصادي مؤثر في الجزائر عبر شركاتها الناشطة في البلاد، والتي تضمن عمالة هامة (نحو 100 ألف عامل) وفق الإحصاءات التي تقدمها الأجهزة الفرنسية المتخصصة. وتتشبث فرنسا بحصتها في الجزائر، رغم تراجعها في السنوات الأخيرة لصالح الصين ودول أوربية أخرى مثل إيطاليا. ويبقى ملف الذاكرة أكثر ما يؤجج الخلاف بين البلدين، فالجزائر تتمسك بضرورة اعتراف واعتذار فرنسا عن جرائمها بينما ترفض باريس منطق الاعتذار وتدعو لفتح صفحة جديدة لا تقوم على إنكار الماضي. وسيكون منتظرا بقوة ما سيقوله الرئيس الفرنسي في خطابه في هذا الشأن، بعد الخطوات التي قام بها في السنتين الأخيرة باتجاه مصالحة الذاكرة والتي لم تنجح كثيرا في التخفيف من عبء هذا الموضوع الشائك ومركزيته في العلاقات بين البلدين. كذلك، يعد الملف الليبي وقضايا الساحل بعد الانسحاب الفرنسي من مالي، في صلب اهتمام البلدين. وكانت فرنسا عبر رئيسها، قد أبدت بوضوح رغبتها في أن تضطلع الجزائر بدور أكبر في المنطقة، لكن الجزائر تبقى حذرة في خطواتها وترفض توريطها في مستنقعات النزاع بالمنطقة.