أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أواخر الأسبوع الماضي، القائمة الأولى للشركات التي سيتم طرحها للبيع خلال الفترة الممتدة من تاريخ الإعلان وحتى نهاية الربع الأول من العام المقبل، بحسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الوارد بخطاب النوايا المصري لمديرة الصندوق. تضمنت قائمة الشركات المرشحة لبيع حصص من أسهمها بالبورصة أو لمستثمر إستراتيجي أو بالمزج بين الأسلوبين، 32 شركة في 18 نشاطا اقتصاديا، ونظرا لكون غالبية تلك الشركات غير معروفة حتى للمتخصصين بالمجال الاقتصادي، فقد توقعنا أن يكون الإعلان مصحوبا ببيانات مالية واقتصادية عن تلك الشركات، كنوع من الترويج لها بين المشترين المرتقبين لأسهمها، لكن ما حدث هو مجرد بيان بأسماء تلك الشركات والقطاعات التي تعمل بها. ولأنه لا توجد من بين تلك الشركات سوى 4 شركات مقيدة بالبورصة، كما أن البورصة لا توفر بيانات سوى عن الشركات المقيدة بها فقط، فقد حاولنا التعرف على بيانات الشركات الأربع، وهي: شركة البويات والصناعات الكيمياوية باكين. وبنك القاهرة. ودمياط لتداول الحاويات. وبورسعيد لتداول الحاويات. فلم نجد سوى بيانات مالية لشركة البويات فقط، أما بنك القاهرة وشركتا الحاويات فلا يوجد عنهما سوى بيانات قيمة السهم الاسمية وعدد الأسهم وتاريخ القيد بالبورصة فقط. ولأن 8 شركات من ال32 شركة تقع تحت مظلة وزارة قطاع الأعمال، بما فيها 3 شركات مقيدة بالبورصة هي البويات وشركتا الحاويات، فقد كان السبيل هو اللجوء لبيانات مركز معلومات قطاع الأعمال العام، لنتعرف على بيانات شركات: النصر للإسكان والتعمير. المعادي للتنمية والتعمير. مصر لأعمال الأسمنت المسلح. سيناء للمنغنيز. المصرية للسبائك الحديدية. 20 شركة مطروحة من 32 بدون بيانات مالية اللافت للنظر أن آخر بيانات لشركات قطاع الأعمال العام للعام المالي الأخير 2021-2022 غير موجودة، رغم أن تلك الشركات -خاصة المقيدة بالبورصة- تصدر بيانات مالية ربع سنوية، التزاما بقواعد القيد الخاصة بدورية الإفصاح، لكن بيانات مركز معلومات قطاع الأعمال العام التي توقفت عند 2020-2021 سنوية فقط. بالعودة للبيانات المنشورة من قبل بنك القاهرة والبنك العربي الأفريقي الدولي، أصبح لدينا بيانات 10 شركات. ورغم أن شركتي مصر للتأمين ومصر لتأمينات الحياة لا تنشران قوائمهما المالية على مواقعهما الإلكترونية، فإن التقرير السنوي لهيئة الرقابة المالية المشرفة على شركات التأمين، يتضمن بعض البيانات المتناثرة عنهما ضمن عرضه للبيانات المالية لشركات التأمين، وإن كانت بيانات سنوية فقط وتعود للعام المالي 2020-2021. لتصبح لدينا بيانات عن 12 شركة فقط من الشركات المطروحة أسهمها للبيع، أي أن هناك 20 شركة لا توجد أية بيانات مالية عنها، بعد الاطلاع على المواقع الإلكترونية المتاحة لمعظمها، حيث إن بعضها ليس له موقع إلكتروني بعد، لأنها لم تتحول إلى شركة حتى الآن، مثل الفنادق التاريخية التي تم اقتطاعها من شركة إيغوث للفنادق ولم تتحول بعد لشركة مستقلة، ونفس الأمر لمحطة توليد الكهرباء بالرياح بالزعفرانة، ومحطة توليد الكهرباء بالرياح بجبل الزيت، ومحطة توليد الكهرباء ببني سويف. ورغم توافر بعض البيانات عن تاريخ التأسيس والأنشطة وحجم الإنتاج بالمواقع الإلكترونية لشركات: المصرية لإنتاج البروبلين، والمصرية لإنتاج الإيثيلين، والمصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي، والحفر المصرية، والقناة للرباط وأنوار السفن التي ورد اسمها خطأ ببيان مجلس الوزراء حين أسماها الرباط لأنوار السفن، وتكرر ذلك مع شركة الحفر المصرية التي أسماها البيان شركة الحفر للبترول؛ فإنه لا توجد أية بيانات مالية عن أداء تلك الشركات حتى يمكن تقييم أدائها السابق، وتوقع أدائها المستقبلي الذي بمقتضاه يتم اتخاذ قرار شراء سهم الشركة من عدمه. تحليل البيانات المالية ومقارنتها هما الأهم تكرر الأمر مع شركات: مصر لتكنولوجيا التجارة، والمستقبل للتنمية العمرانية، وحلوان للأسمدة، والأمل الشريف للبلاستيك، والصالحية للاستثمار والتنمية؛ لكن تلك البيانات لم توضح لنا بعض التفاصيل التاريخية على سبيل المثال بالنسبة لشركة الصالحية، فهل هي امتداد لمشروع الصالحية الذي أنشأه الرئيس السادات أم جزء منه أم مشروع منفصل؟ نفس الأمر بالنسبة لشركة الأمل الشريف للبلاستيك، هل هي امتداد لشركة الشريف للبلاستيك؟ وعندما نجد رئيس شركة الصالحية العاملة بالنشاط الزراعي والداجني والحيواني لواء أركان حرب، فما خبراته بمجالات عمل الشركة؟! الغريب أن نجد المصرف المتحد المعروض للبيع والذي تم تأسيسه عام 2006، لم ينشر أية قوائم مالية عن نشاطه منذ تأسيسه وحتى الآن، والاكتفاء بتصريحات متناثرة لرئيسه عبر تلك السنوات، تتضمن قيمة رأس المال أو عدد الفروع أو قيمة الودائع أو القروض أو الربح ببعض السنوات، رغم إعلان محافظ البنك المركزي منذ فبراير 2016 عن طرح حصة من أسهمه للبيع، ثم الإعلان عن بيع حصة أغلبية منه لصندوق استثمار أميركي في مايو 2019. القضية ليست في إعلان القوائم المالية ولكن الأهم هو ما بعد توافر القوائم المالية الربع سنوية، من خلال تحليلها واستخراج المؤشرات المالية من خلالها. فلا يكفي فقط رقم الربح للشركة أو البنك، ولكن الأهم منه هو ربحية الشركة أو البنك، بمعنى كم يدر الجنيه في حقوق ملكية البنك أو في أصوله من ربح، ومن هنا سنجد بنوكا متوسطة الحجم أكثر ربحية من بنوك ضخمة الحجم كالبنوك العامة الحكومية ومنها بنك القاهرة، رغم أن غير المتخصص سيلفت انتباهه بالتأكيد رقم الربح الكبير الذي حققه ذلك البنك الحكومي. في عام 2021، بلغت أرباح بنك القاهرة المطروح للبيع 3 مليارات و631 مليون جنيه، لتصل نسبة العائد على حقوق الملكية به 18.7%، بينما بلغت قيمة أرباح بنك أبو ظبي الإسلامي مليارا واحدا و473 مليون جنيه، لتصل نسبة العائد على حقوق الملكية به 21.4%، ونفس الأمر للبنك العربي الأفريقي الدولي الذي بلغت قيمة أرباحه بنفس العام ما يعادل مليارين و149 مليون جنيه بسعر الصرف حينذاك، لتصل نسبة العائد على حقوق الملكية به 6.4%، بينما بلغت قيمة الربح بالبنك المصري الخليجي 696 مليون جنيه لتصل نسبة العائد على حقوق الملكية به 21.4%. …مصدر الربح أهم لضمان تكراره كذلك من المهم من أين أتى ربح الشركة المُعلن؟ فقد يكون نشاط الشركة المقاولات مثلا ولكنها حققت ربحا نتيجة بعض الأصول أو من استثمارات لها، أو من فوائد ودائع لها؛ أي أن الربح لم يتحقق من نشاطها الأساسي. كذلك المقارنة بين قيمة أرباح الشركة والشركات المماثلة لها بالحجم والعاملة بنفس النشاط بالسوق، إلى جانب مقارنة أرباح نفس الشركة خلال عدد من السنوات المتتالية. فعلى سبيل المثال، سنجد ربح شركة البويات (باكين) المطروحة للبيع كان قد بلغ 76 مليونا بالعام المالي 2017-2018، ثم انخفض إلى 65 مليون جنيه بالعام المالي التالي، ليواصل الانخفاض إلى 3.3 ملايين جنيه فقط بالعام المالي التالي، ثم زاد إلى 40 مليون جنيه بالعام المالي 2020-2021. لكن بالربع الأول من العام المالي 2021-2022، بلغ الربح 650 ألف جنيه فقط، بينما كانت أرباح الشركة 72 مليون جنيه بالعام المالي 2005-2006، و84 مليون جنيه بالعام المالي التالي، أي أن ربحها قبل 16 عاما من الآن كانت أعلى بكثير من ربحها حاليا، وهكذا يفيد التحليل الأفقي لتطور الربح للبحث عن أسباب هذا التراجع، وهل سيتم علاجه حتى يمكن الإقبال على شراء سهم الشركة؟! عندما تعلن الشركتان التابعتان للجيش -وهما "صافي لتعبئة المياه"، و"الوطنية لتوزيع المنتجات البترولية"- بياناتهما المالية، سيحتاج الأمر إلى استكمال تلك البيانات المالية، من حيث تحديد مساهمة عمالة الجنود بمصانع شركة صافي في تحقيق ذلك الربح بتكلفة أجور متدنية، وإسهام الأراضي المجانية التي تم الحصول عليها في ذلك، وفي حالة شركة صافي التي تتوافر لها عشرات منافذ البيع بأسوار المنشآت العسكرية بالمحافظات، ماذا سيكون مصير تلك المنافذ وهل سيتم احتساب إيجار لها؟ …اقتناء السهم يعني شراء مستقبل الشركة في حالة وطنية لتوزيع الوقود عبر أكثر من 250 محطة تموين للسيارات، ماذا عن أجور عمالة الجند بتلك المحطات بعد بيع حصة من أسهمها؟ وماذا عن الأراضي المتسعة التي تشغلها محطاتها، وهل سيتم دفع إيجار لها؟ وفئات ذلك الإيجار بحسب تميز المناطق ما بين الموجودة داخل المدن وخارجها للخروج بقوائم مالية طبيعية تستبعد أثر تلك العوامل، ثم مقارنتها بأرباح الشركات المنافسة بنفس النشاط لمعرفة مدى تميز الشركة عن أقرانها بدون امتيازات خاصة. هكذا تثور أسئلة خاصة بكل شركة مطروحة للبيع تحتاج إلى رد لاتخاذ قرار رشيد بشراء أسهمها، مثل الشركة المصرية لإنتاج البروبلين التي تعاني من منافسة ضارة من قبل إنتاج شركات خليجية لنفس المنتج تقوم بتسويقه بمصر بأسعار أقل نظرا للدعم الذي تحصل عليه ببلادها، وأثر تلك المنافسة على تسويق إنتاجها وأرباحها والحلول المطروحة لاتخاذ قرار رشيد باقتناء أسهمها عند طرحها. المشتري لأسهم شركة هو في الحقيقة يشتري مستقبل تلك الشركة وليس تاريخها السابق، فمهما كان أداؤها ناجحا بالماضي فالأهم هو المستقبل بالنسبة للمستثمر، لأنه هو الذي سيحقق له ربحا أو سيحقق له خسارة أو يضيع عليه فرصة الاستثمار بشركة أخرى أفضل أداءً، ومن الصعب أن تتكرر الظروف التي أحاطت بالشركة بالماضي بالمستقبل، في ضوء المتغيرات التي تلحق بالاقتصاد المحلي والإقليمي والدولي. فبنك القاهرة كبنك حكومي يحتاج المُقبل على اتخاذ قرار بشراء أسهمه، لمعرفة حجم محفظة الديون المتعثرة به، وحجم القروض السياسية به وهي القروض التي يتم منحها من قبل البنوك الحكومية بضغوط من قبل كبار المسؤولين بصرف النظر عن الجدارة الائتمانية للجهة المُقترضة، وهي المشكلة التي عانى منها نفس البنك قبل 15 عاما. كذلك ما تأثير خفض تصنيف وكالة موديز لتصنيف البنك مؤخرا من مستوى ضعيف إلى ضعيف جدا؟ هكذا يحتاج نجاح الخصخصة التي تجعل المال له صاحب، وتأتي بجمعيات عمومية تراقب الإدارة، إلى شفافية في المعلومات وإعطاء فرص متساوية من البيانات للجميع بنفس التوقيت دون تمييز، وكذلك وجود دولة قانون وقضاء مستقل ومساءلة، حتى تصبح بالفعل وسيلة لترشيد إدارة الموارد الاقتصادية. الجزيرة نت