شُغف الكثيرون من الألمان بالتراث الإسلامي والعربي في حماس يميّز طباعهم في الحب والكره. وكان أشهر من امتدح هذا التراث شاعرهم العظيم غوته، والشاعر الآخر هايني. وتعددت أعمال المستشرقين الألمان منذ القرن السابع عشر. وبلغ الحماس لدى المستشرقة زيجريد هونكه أنها وضعت مؤلفاً عنوانه «شمس الله تسطع على الغرب – فضل العرب على أوروبا». بالنسبة إليها لا يبدأ العصر العربي العلمي مع هارون الرشيد، أو المأمون، وإنّما حتى من أيام الجاهلية عندما بدأ العربي بدراسة الفلك. فإنّ ابن الصحراء دون سواه من جميع شعوب العالم عاش قريباً من السماء الصافية والنجوم البرّاقة، لا يفصله عنها غيوم أو غابات. وحيثما ترحّل البدويّ في الصحاري كانت الكواكب هي من يُرشده وتحوّل ليله إلى نهار. ولا تلال ولا جبال ولا بحار: الصحراء والبدوي والفلاة. لذلك قدّس الجاهلي الكواكب ورأى بعضها مصحوباً دائماً بالغيث والخير. وكانت قبيلة قيس تقدّس الشعرى أكثر النجوم ضوءاً. في المقابل رأى الخيال اليوناني في الكواكب والنجوم آلهة لكل شيء. تقول المستشرقة هونكه، إن معظم أسماء النجوم والكواكب المستعملة حتى الآن إما عربية، أو ترجع إلى أصل عربي. وأوروبا التي درست الفلك على أساتذة مسلمين تستخدم حتى اليوم الأسماء العربية (مثل الجنوب والغول والكرب والطائر والواقع وذنب وفم الحوت ورجل وغيرها). وأخذ الأوروبيون عن العرب الكثير من الاصطلاحات الفلكية المتداولة على ألسنة العامة متل السمت والنظير والقنطرة والحضيض. لم يُفلح العرب في الأفلاك فقط، بل في الأرض وعلومها أيضاً، كما تُخبرنا الدكتورة هونكه. فقد عالج العرب الهوس ومختلف الأمراض العقلية عن طريق النوم، وبواسطة الأفيون، ووسائل طبية أخرى، وتعطي أمثلة على ذلك كتاب «أثر الموسيقى في الإنسان والحيوان» لابن الهيثم، العالم الشهير في الطبيعيات، الذي بدأ حياته العملية طبيباً، وكان يُنادي بوجوب الاستعانة بالوسائل النفسية إلى جانب العقاقير الأخرى. وقد شّدد ابن سينا أيضاً على أهمية العلاج النفسي باعتباره خير وسيلة لمكافحة البيئة الكئيبة المحيطة بالمريض. وكان يلح بدوره على استخدام الموسيقى وإحاطة المريض بأصدقائه ومحبّيه. وتؤكّد الدكتورة هونكه أن العرب بمؤلفاتهم العظيمة هم أساتذة أوروبا، وأن تلك الكتب استخدمت قديماً لتخريج أطباء بغداد وقرطبة، كما تخرّج عليها الأطباء في سائر أنحاء العالم. الشرق الأوسط اللندنية