في السنة الثامنة من الهجرة، وفي 20 رمضان، تدفق الجيش النبوي الضخم إلى مكةالمكرمة، نزل إليها من أعلاها ومن بطحائها، فانقذف الرعب في نفوس القرشيين بعد أن نقل إليهم سيدهم أبو سفيان رسالة تحذير عالية الدقة والوضوح: "من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن أغلق عليه بيته فهو آمن.."، وتكريما للزعامة المنتهية كان أيضا: "من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن". دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يحدوه التكبير وتظله الهيبة والوقار، مطأطئ الرأس تواضعا لله الذي مكنه من فتح مكة بعد أن خرج منها وأصحابه خائفين يترقبون سطوة أبي جهل أو بطش عتبة بن ربيعة، ثم أسلمت مكة قلبها وزمامها للإسلام وصعد بلال بن أبي رباح سقف الكعبة، وصدح بالأذان والتوحيد بعد أن كان قبل 8 سنوات جسدا عاريا تضغطه صخرة من غضب سيده أمية بن خلف. وكان يوم فتح مكة، أحد أبرز أيام الإسلام، فقد فتحت المدينة المقدسة بالرعب وقوة الإيمان لا بكثرة السلاح وكثافة النيران، لأن صوت الأذان كان أقوى من رهج الخيل، وكانت قوة الحق وعدالة الفاتحين أقوى من ركام سنوات الظلم. عاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينةالمنورة، قبل أن يعود لاحقا إلى مكةالمكرمة في السنة العاشرة من الهجرة النبوية في حجة الوداع، التي ألقى فيها خطبة الوداع، وهي إعلان حضاري ينير دروب المسلمين إلى آخر الزمن، وكانت أيضا وصية مودع، لم يعش بها غير فترة وجيزة، واستشهد المسلمين على أداء الأمانة، ألا هل بلغت، فصدحت الحناجر التي قيل يومها إنها تجاوزت 100 ألف من المسلمين..