أياً تكن صورة اليوم الأول من الانتخابات البلدية والاختيارية ونتائجها التي جرت أمس في بيروت والبقاع، ترانا نهلل لعودة طال انتظارها للبنان الديمقراطي الذي عانى ويعاني ظواهر انحباس وتصحر كدنا معها نسقط في يأس من إنعاش النظام الذي كان يزهو غالباً بأنه العصي على الاغتيال الممنهج. والحال اننا لا "نسكر بزبيبة" الجولة الأولى لمجرد ان عادت أيدينا الى اسقاط أوراق الاقتراع في الصناديق والتهييص للوائح متنافسة لم تكن الا صورة مطابقة تماماً لواقع لبنان الذي تتداخل في انتخاباته كل عوامل عصبيات ابنائه والتناقضات الفاقعة بين قواه السياسية على غرار "خلطة " لائحة التحالف الهجين في بيروت. لكن ما رأيناه امس في انتخابات العاصمة كما في البقاع بدا جميلاً ومنعشاً لفرط ما أمعنت فينا الازمات السياسية المتعاقبة من خنق للنبض الديموقراطي. صعد على سطح اليوم الانتخابي الكثير من الشوائب والعيوب أكثرها يعود الى المسبب الاول والأساسي وهو سطوة السياسة والتبعية والمال على المفهوم الانتخابي. ومع ذلك لا يمكن تجاهل الاهمية الكبيرة لمشهد انتخابي في هذه اللحظة الداخلية والاقليمية التي باتت تصدّر لبنان في ابشع صوره كدولة فاشلة. لعل كثيرين يقلبون الشفاه ازدراء لنزعة الى تكبير الإنجازات حتى حين تكون بديهية وطبيعية كانتخابات محلية يفترض ألا تحتمل تضخيما بهذا الحجم. ولكن ماذا ترك الساسة للناخبين اللبنانيين أمام يوم كالذي مر أمس، والذي سيمر مثله ثلاثة بعد، ألا تنفيس الاحتقان المكتوم حتى لو لم تأت أكثر نتائج الانتخابات في معظم انحاء لبنان على مستوى الحد الادنى التغييري الذي يفترض ان يتيحه هذا الاستحقاق للناس؟ تصاعد جدل محق، ولا يزال، حول طغيان السياسة على الاتجاهات المستقلة على نحو أكبر من أي انتخابات بلدية واختيارية سابقة. وشكل هذا العامل واقعيا إنذاراً متقدماً جداً حول تراجع خطير في المفهوم الفردي الانتخابي الذي سلم للزعامات الحزبية والسياسية بحق حرمانه الاستقلالية الاساسية التي تبدأ من خيارات الناس في سلطاتهم المحلية. ومع ذلك سنترك التنظير المستعجل وجلد الذات الآن لمجرد مقارنة لبناني يقترع البارحة، حتى بكل شوائبه الموروثة والمكتسبة، بما كان يمكن ان يكون اللبناني في لحظة إعدام ديمقراطي لو لم تجر هذه الانتخابات في مواعيدها. ثم لا بأس إطلاقا باستحضار لازمة باتت مملة في نهاية يوم انتخابي، وهي إننا على مسافة أسبوعين من فجيعة طي ازمة الفراغ الرئاسي سنتها الثانية. يكفي ان اللبنانيين سيمضون هذا الشهر تحديداً في التهليل للوائح تتنافس وتخرج دواخل اللبنانيين إلى صناديق الاقتراع عوض ذلك الشيء الآخر البالغ البشاعة الذي أريد للبنان أن يموت سجيناً في قفصه. فلنقبل بلا هوادة.