محمد حبيب فشل العدو الصهيوني في تطبيع العلاقات مع الشعوب العربية، برغم المحاولات الدؤوب التي بذلها على مدى عقود.. إذ إن التطبيع، سوف يحقق له مجموعة من الأهداف؛ يأتى في مقدمتها، (1) تحقيق أمن وأمان الكيان الصهيوني، فهو يعلم أنه سارق لأرض العروبة والإسلام، واللص عادة يظل قلقا ومتوترا، طالما بقى صاحب الشىء المسروق حريصا على البحث عنه واسترداده.. وفي اللحظة التي تقبل فيها الشعوب العربية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، معناه أنها قبلت بالوضع وسلمت أمرها، (2) فتح الأسواق العربية أمام المنتجات الصهيونية، بما يعود على الكيان الصهيوني بالخير الوفير، (3) توفير جزء كبير من مليارات الدولارات التي تنفق على الآلة العسكرية، ورصدها لمجالات أخرى، كالتقدم العلمي والتقني، وغير ذلك، (4) فتح الباب على مصراعيه للتبادل الفنى والثقافي، وما يتضمنه ذلك من العبث بالخصوصية الثقافية وإفساد للذوق العام، وبالتالي طمس معالم فكرة الجهاد لتحرير الأرض وتطهير المقدسات، (5) كتابة شهادة وفاة للقضية الفلسطينية، ومن ثم ينتهي هذا «الصداع» المستمر.. ولا شك أن الإدارة الأمريكية (وتابعيها من دول أوروبا) بذلت جهودا مضنية في سبيل تعبيد الطريق لعمليات التطبيع مع الشعوب العربية.. إلا أن هذه المحاولات كانت تبوء بالفشل.. وبعد مناقشات ودراسات قام بها أئمة الفكر الاستراتيجي، ومراكز الدراسات والبحوث والاستخبارات في أمريكا و«إسرائيل»، عثر المخطط الأمريكي/ الصهيوني على ضالته، وهى الإخوان؛ فلهم تنظيم دولي يضم عشرات من التنظيمات المحلية في الدول العربية والإسلامية، فضلا عن أمريكا وأوروبا.. وليس بخاف ما كان يتمتع به الإخوان من شعبية وثقة على مستوى هذه الشعوب، خاصة أن دورهم كان ملحوظا في الدفاع عن القضية الفلسطينية، بل إن «البنا» نفسه- مؤسس الجماعة- يعتبر شهيد القضية الفلسطينية.. يضاف إلى ذلك أن «حماس» ذاتها هي جزء من الإخوان المسلمين.. فإذا استطاعت الإدارة الأمريكية أن تتواصل مع الإخوان وأن تساعد على دمجهم في الحياة السياسية داخل أوطانهم كخطوة أولى لوصولهم إلى السلطة، في مقابل أن يكون لهم دور في تطبيع العلاقات بين العدو الصهيوني والشعوب العربية والإسلامية، فهذا هو غاية المراد.. وسواء أدرك الإخوان أم لم يدركوا هذا المخطط، فإن الشعوب ما كانت لتقبل ذلك.. في مصر، كانت الظروف مناسبة للغاية، فقد حدثت ثورة 25 يناير، ونحى الرئيس مبارك، وأصبح الطريق ميسرا أمام الإخوان.. ولأنهم يمثلون- في الوقت ذاته- حجر الزاوية لكل الإخوان في مختلف الأقطار العربية، فإن ما سيقومون به سوف يكون له صداه على الجميع.. لقد كانت الاتصالات مستمرة بين أمريكا وإخوان مصر، خاصة في نهاية العقد الأول من القرن الحالي.. وفي يوليو 2012، وقعت الاتفاقية بين حماس والعدو الصهيوني برعاية أمريكية وضمان الحكومة المصرية التي كان يمثلها الإخوان آنذاك.. وفي نفس الشهر، حمل السفير المصري الجديد معه إلى دولة العدو الصهيوني، خطابا من الدكتور مرسى للسفاح «شيمون بيريز»، يقول له فيه «نتمنى الرغد لبلادكم»، أي لفلسطين المحتلة(!)، ثم يذيله بهذا التوقيع الفضيحة «صديقكم الوفي» (!).. وفي زيارته لدولة العدو الصهيوني، وقف أوباما في مدينة القدس يقول في مؤتمر صحفي: «سوف تبقى القدس عاصمة أبدية لإسرائيل».. ونقلت وكالات الأنباء هذا التصريح، ولم يحرك الإخوان ولا الرئيس المصري ساكنا.. وجاءت ثورة 30 يونيو، وأطيح بحكم «المرشد» في 3 يوليو 2013، ومعه أطيح بأحلام الإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني في التطبيع مع الشعب المصري.. ومنذ ذلك الوقت، والهجوم الأمريكي (ومن يقوم بالوكالة) لا يتوقف على مصر، واتبع في ذلك وسائل ووسائط معروفة، داخليا وخارجيا.. الأيام القادمة تحمل ما هو أخطر من ذلك بكثير، ويجب أن نكون منتبهين إليه.. فالحروب العرقية والطائفية والمذهبية في المنطقة العربية سوف تشتعل بأكثر مما هي الآن، خاصة أن التنسيق والتفاهم الذي يجرى بين أمريكا وروسيا حاليا يتجاوز الأزمة السورية إلى الترتيب لتوزيع مناطق النفوذ على نحو ما تم في سايكس- بيكو عام 1916، الأمر الذي يلقى على مصر مسؤولية وتبعة كبيرة.. ليس لنا إلا الدعاء بأن يحفظ الله مصر من كل سوء ومكروه، وأن يرزق أهلها الرشد والسداد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.