قد لا يختلف إثنان في أن الدورة ال27 لكأس أمم إفريقيا التي أسدل عليها الستار الأحد الماضي بالعاصمة الأنغولية “لواندا” تعتبر إحدى أسوأ الدورات في تاريخ المنافسة القارية، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق، فلم يسبق أن عرفت “السيدة الإفريقية” كل هذه السلبيات في عرسها، والتي لا تعد ولا تحصى، لكننا فضلنا التوقف عند أهم 7 سلبيات لاحظناها في هذه الدورة والتي تجاوزت حدود المنطق... ويمكن تسميتها بالمساوئ التي لا يجب السكوت عنها إطلاقا لأنها من الضروري أن تعرّض رئيس “الكاف” عيسى حياتو وهيئته إلى المساءلة، ليس من قبل النقاد والصحافيين فقط، ولكن حتى للمساءلة القانونية. الإعتداء المسلّح على بعثة الطوغو سابقة خطيرة كان كل شيء يوحي من البداية أن هذه الدورة لن تكون عادية، كيف لا وأنغولا تستقبل ضيوفها على وقع الرصاص، وكان الضحية منتخب الطوغو الذي قرر دخول الأراضي المجاورة برًا يوم الجمعة 8 جانفي، ليتعرض لوابل من الرصاص بعد هجوم إرهابي من المنظمة الإنفصالية لتحرير “كابيندا” وكانت النتيجة وفاة شخصين وإصابة خطيرة للحارس الذي بقي في المستشفى حوالي أسبوعين، وتعتبر هذه الحادثة الأغرب والأعنف في تاريخ “الكان”، ليقرر بعدها المنتخب الطوغولي الانسحاب من الدورة التي جرت ب15 منتخبا فقط. أرضيات لا تصلح إلا ل “الرعي” ورغم أن المنظمين والسلطات المحلية تمكنوا من إحتواء حادثة الإعتداء، خاصة بعد أن تعهّدت المنظمة الإنفصالية “الفلاك” بعدم التعرض إلى الضيوف، إلا أن ما فاجأ الجميع ووضع علامة استفهام كبرى أمام المعايير التي اتخذتها “الكاف” لمنح شرف التنظيم لأنغولا على حساب دول أخرى مثل ليبيا هو الحالة السيّئة جدا لأرضيات الملاعب التي لا تشبه إلاّ المراعي، بالنظر إلى الأتربة التي كانت تتطاير منها عند أي إحتكاك بين اللاعبين، وخاصة ملعب العاصمة “لواندا” الذي تم تدشينه شهرا فقط قبل إنطلاق الدورة، وقد كانت هذه الأرضيات وراء إصابة الكثير من اللاعبين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التوجه إلى المستشفيات الأوروبية لتلقي العلاج. مدرجات فارغة والأنغوليون مشغولون بأمور أخرى يبدو أن كل شيء كان جاهزا لإفساد دورة أنغولا، حيث أكدت هذه الدولة أنها بعيدة كل البعد عن هذه التظاهرات سواء حكومة أو شعبا، حيث أن الإقبال الجماهيري كان قليلا جدا إلا في مقابلات المنتخب المحلي رغم أن المنظمين كانوا يضطرون إلى فتح أبواب الملعب في الأشواط الثانية، وقد برّر حياتو العزوف الجماهيري عن متابعة المقابلات إلى صعوبة الحصول على تأشيرة دخول الأراضي الأنغولية بالنسبة للأجانب، بالإضافة إلى غلاء المعيشة، والأكيد أن شعبا يعيش تلك الظروف المزرية لن تكون كرة القدم من أولوياته، وهو ما لم يفهمه من منحوا أنغولا شرف التنظيم. مستوى متواضع ومقابلة الجزائر - كوت ديفوار صنعت الإستثناء رابع المساوئ في دورة أنغولا هو المستوى المخيّب للآمال الذي أظهرته المنتخبات المشاركة، وقد ظهر ذلك جليا خلال مقابلات الدور الأول التي كانت مملّة في أغلبها، ورغم أمل المتتبعين كان في رؤية مستوى أحسن في الأدوار المتقدمة، إلاّ أن ذلك لم يحدث بالصورة الكافية ولم نشاهد إلاّ مقابلة وحيدة تستحق الإشادة وهي تلك التي جمعت الفريقين الجزائري والإيفواري في الدور ربع النهائي، وقد اعتبرها المتتبعون الأفضل من بين 29 مقابلة عرفتها هذه الدورة التي خيّبت فيها الآمال كثيرا من المنتخبات الكبيرة على غرار الكامرون، نيجيريا وحتى مالي التي كان ينتظر منها الكثير، ولكن مستواها لم يكن أحسن من الكثير من الفرق المشاركة. تحكيم بأخطاء شيطانية وحتى يُحكم على دورة أنغولا بالإعدام كان على التحكيم أن يلعب دوره المخزي، وأسوأ ما في الأمر أن الأخطاء المرتكبة لم تكن إنسانية كما نُشاهده في الكثير من التظاهرات التي يحترم منظموها أنفسهم، لكن ضعف “الكاف” جعل الأخطاء المرتكبة بيد الشيطان، ويكفي التوقف عندما ما فعله الحكم البينيني “كوفي كوجيا” في مقابلة المنتخبين الجزائري والمصري للتأكد أن دورة أنغولا غاب عنها الضمير الإنساني للتحكيم، كما لا يجب أن نتجاهل الأخطاء الكبيرة ل حكام آخرين، وخاصة حاملي الرايات، ويكفي الهجوم الذي شنّه عيسى حياتو على كوجيا والجنوب إفريقي دامون، بالإضافة إلى ما قالته وسائل الإعلام العالمية لمعرفة الصورة السيّئة التي رسمها التحكيم الإفريقي لنفسه، ومع ذلك يجب الإشارة إلى أن كلام حياتو يبقى مشكوكا فيه لأنه طرف أساسي في الأخطاء الفادحة التي شاهدها العالم الخميس الماضي. أفول النجوم في سماء إفريقيا دروغبا، كايتا، إيتو، توري، سيسوكو، كالو، كانوتي هي مجرد أسماء من بين 345 اسما كانت حاضرة في أنغولا لتنشيط الدورة ال27 من “الكان”، ولم نشاهد منها ما يمكن أن يميزها عن لاعبي البنين وموزمبيق ومالاوي رغم أنها أسماء نجوم متلألئة في سماء أوروبا، ولكنها أفلت في السماء الإفريقية، ودون البحث عن الأسباب التي جعلت نجوم القارة تظهر بذلك المستوى المخيب، فإن الأكيد أن دورة هذه السنة يجب أن توضع في طي النسيان بالنسبة لهم، ولجميع المتتبعين، فيكفي الإشارة إلا أن أحسن لاعب في الدورة يقارب ال35 من العمر، وأحسن حارس هو الأكبر عمرا من بين كل اللاعبين، والهداف لاعب مغمور لم يشارك إلا احتياطيا لمعرفة أي هوان وصلت إليه كأس إفريقيا. معاقبة الطوغو طعن في مصداقية “الكاف” سابع مساوئ دورة أنغولا أو عجائبها، جاءت من “الكاف” يومين قبل اختتام المنافسة، وذلك عندما أقر حياتو وجماعته معاقبة منتخب الطوغو بحرمانه من المشاركة في النسختين القادمتين، وهو قرار لا يستند إلى أي منطق، رغم أن الكاميروني ربطه بتدخل الحكومة الطوغولية ومطالبة منتخبها بالانسحاب، والغريب أن حياتو نفسه قد منح الضوء الأخضر لرفاق أديبايور لمغادرة “الكان” بالنظر إلى الظرف الصعب الذي كانوا يمرون به، قبل أن ينقلب عليهم، في قرار اعتبره كل المتتبعين طعنا في مصداقية أكبر هيئة كروية إفريقية. حسنة وحيدة في بحر المساوئ رغم كثرة المساوئ فإن دورة أنغولا لم تكن كلها سيئة، فبالإضافة إلى المستوى الرائع الذي قدمه المنتخب الجزائري، فإن هناك حسنة لا يجب أن نغفل عنها، وهي أن هذه الدورة قد عرّت حقيقة “الكاف” وعيسى حياتو، ويكفي ما قاله عنه أديبايور عندما طالبه بالرحيل، أو مدرب الطوغو عندما نزع عنه صفة “الإفريقي”، كما أن العالم كله عرف كيف تسيّر “الكاف” وكيف تفضّل فرقا على أخرى.