السؤال: معظم المسلمين اليوم تجد أثقل عبادة عليهم في أدائها هي الصلاة , فأرجو منكم توضيح سبب ذلك . الجواب : الحمد لله أولا : الصلاة ركن من أركان الدين ، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين ، وجاءت الوصاية بها وبالمحافظة عليها في مواضع كثيرة متعددة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ، فإن صلحت صلح سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله . وينظر حول مكانة الصلاة : جواب السؤال رقم : (33694). ومع جلالة شأنها وعظم منزلتها نجد كثيرا من المسلمين يتهاون بشأنها : في طهارتها ، أو قيامها ، أو ركوعها ، أو سجودها ، أو خشوعها ، أو قراءتها وأذكارها ، أو أوقاتها . وإنما يثقل أداء الصلاة على وجهها على كثير من الناس لأسباب متعددة ، منها : - أنهم يرون فيها تكليفا ومشقة ، وعادة النفس أنها تنفر من التكليف والاستخدام وتحب الدعة والراحة ، بينما يراها المؤمنون المتقون رحمة ونعيما وقرة عين ، قال ابن القيم رحمه الله : " لَا يَجِدُ المؤمن فِي أَوْرَادِ الْعِبَادَةِ كُلْفَةً، وَلَا تَصِيرُ تَكْلِيفًا فِي حَقِّهِ. فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحِبُّ الصَّادِقُ، وَيَأْتِي بِهِ فِي خِدْمَةِ مَحْبُوبِهِ: هُوَ أَسَرُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَأَلَذُّهُ عِنْدَهُ، وَلَا يَرَى ذَلِكَ تَكْلِيفًا، لِمَا فِي التَّكْلِيفِ: مِنْ إِلْزَامِ الْمُكَلَّفِ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا سَمَّى أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ: وَصِيَّةً، وَعَهْدًا، وَمَوْعِظَةً، وَرَحْمَةً وَلَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهَا اسْمَ التَّكْلِيفِ إِلَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة 286 " انتهى من "مدارج السالكين" (3/ 157) وينظر جواب السؤال رقم : (125994) . - وجوبها خمس مرات في كل يوم وليلة في أوقاتها ؛ فيرى البطالون أن في ذلك شدة عليهم ؛ لما اعتادوه وأحبوه من الدعة والراحة . - تقديم الرغبات الدنيوية والشهوات النفسية على محبة الصلاة ، والقيام إليها ، وإتيانها مع المسلمين في الجماعات ، فتجد كثيرا من الناس يقدم النوم على القيام إلى الصلاة ، ومنهم من يقدم العمل ، بل منهم من يقدم اللعب عليها إذا تعارضت معه . وينظر جواب السؤال رقم : (65605). - تكالب الناس على الدنيا وانشغالهم بها ، ونسيان أمر الآخرة أو تأخيره . - تغليب الأمانيّ على جانب الخوف من الله ، فيقول أحدهم إذا نُصح في أمر الصلاة : إن الله غفور رحيم ، وهو أرحم بنا من أمهاتنا ، فيدعوه ذلك إلى التهاون بأمور الدين وعدم المبالاة والتقصير ، وهذه من الأماني الكواذب ، وليس من حسن الرجاء في رحمة الله . قال ابن القيم رحمه الله : " مَنْ رَجَا شَيْئًا اسْتَلْزَمَ رَجَاؤُهُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: مَحَبَّةُ مَا يَرْجُوهُ. الثَّانِي: خَوْفُهُ مِنْ فَوَاتِهِ. الثَّالِثُ: سَعْيُهُ فِي تَحْصِيلِهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ. وَأَمَّا رَجَاءٌ لَا يُقَارِنُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ : فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمَانِيِّ، وَالرَّجَاءُ شَيْءٌ وَالْأَمَانِيُّ شَيْءٌ آخَرُ، فَكُلُّ رَاجٍ خَائِفٌ، وَالسَّائِرُ عَلَى الطَّرِيقِ إِذَا خَافَ أَسْرَعَ السَّيْرَ مَخَافَةَ الْفَوَاتِ " انتهى من "الجواب الكافي" (ص 39) - ضعف الإيمان في قلوب كثير من الناس ، فالصلاة قرة عيون المؤمنين ، وهي ثقيلة على المنافقين ، فمن ثقلت عليه صلاته فقد أشبه المنافقين ، الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ ) رواه البخاري (657) ومسلم (651) . فكل الصلوات ثقيلة على المنافقين ، وأثقلها عليهم : صلاة العشاء وصلاة الفجر ، فلا تثقل صلاة على أحد إلا لضعف إيمانه ، وما فيه من الشبه بالمنافقين . - أصدقاء السوء ، وهؤلاء عقبة أمام كل خير ، وربما وجدت أحدهم وله همة إلى الصلاة ، فيبتلى بأهل الشر ، فلا يزالون به حتى يثبطوه عن أدائها ، ويثقلوا فعلها عليه . والله تعالى أعلم .