على الإنسان أنْ يعمل في حال حياتِهِ من الأعمال الصَّالحة ما يجعلُهُ يُحسن الظَّن بالله -جل وعلا-، وما يكُونُ سبباً في حُسْنِ العاقبة وحُسْن الخاتِمة، والشَّواهد من المُحتضرين كثيرةٌ جدًّا على هذا وعلى ضِدِّهِ.. فمن عاش على شيء مات عليه، وأهلُ العلم يقُولُون: الفواتِح عنوان الخواتم، فمن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعِثَ عليهِ، من لزم الأعمال الصَّالحة ذكرها عند موتِهِ وكرَّرها وقت اختلاطِهِ وهَرَمِهِ وشَغِفَ بها وأحبَّها، وشواهد الأحوال كثيرة على هذا، كم من شخص يحصلُ لهُ ما يحصل من إغماء وهو من أهل القرآن يُردِّد القرآن وهو لا يعرفُ أحد، ولا يستطيع أنْ يتكلَّم بكلمة ومع ذلك يُسْمع منهُ القرآن واضح، وكم من مُؤذِّن إذا جاء وقتُ الصَّلاة سُمع منهُ الأذان وهو في حالة إغماء. وبالمُقابل من كان يُزاول الأعمال السَّيِّئة والجرائم و المنكرات تجدُهُ يُكررُها، وذكر ابن القيم -رحمه الله- تعالى في الجواب الكافي بعض القصص المُخيفة، فينتبه الإنسان لهذا، وإذا قيل لبعض النَّاس ممَّن شُغِف بالخمر قُل: لا إله إلا الله أجاب بما عاش فيه، إذا كان مشغُوفاًً بالغناء قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ردَّد أُغنية، و إذا كان مشغُوفاً بالنِّساء إذا قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ذكر بعض النِّساء المُومِسَات -نسأل الله السَّلامة والعافية-. فعلى الإنسان أنْ يعمر حياتهُ بطاعة الله -جل وعلا- ليستصحِبَها إلى وفاتِهِ، قد يكون في نفس الإنسان هواجيس وخواطر يُردِّدُها، وأماني تغلبُ على تفكيرِهِ، ذكر ابن القيم في عِدة الصَّابرين أنَّ كثير من النَّاس ممَّن غلبت عليهم هذه الهُمُوم و الهواجس إذا صار بحالةٍ من إغماء أو خرف أو تخليط صار يُردِّدُها عند النَّاس، وكلٌّ لهُ همُّه، فمن النَّاس من كان همُّهُ في الدين ونصر الدِّين يُردِّد هذا، ومن كان همُّهُ في الدُّنيا ردَّدَها، من كان همُّهُ بالأكل ردَّد الأكل إذا خَرِف، أدركت شخص من كبار السِّن من المُسلمين كُفَّ بصرُه وصار يجلس بالشَّارع وكُل من مر قال –بلهجتِهِ-: من يراهن على دجاجة ما فيه أحد يجيب دجاجة يأكلها كاملة، هذا أيام كان الدَّجاج قليل جدًّا لا يُوجد، فاستصحب هذا الأمر إلى أنْ خَرِف صار يُردِّد هذا الكلام، بعد أنْ وسَّع الله على المُسلمين و صار الدَّجاج يعني أكثر من التَّراب، لأنَّهُ عاش على هذا الأمر، ومن عاش على ذكر الله ردَّد الذّكر، ومن عاش على التِّلاوة ردَّد التِّلاوة وهكذا، والجزاءُ من جنس العمل، وتجد بعضُ من خرف يُحْجب عن الزَّائِرين حتَّى أقرب النَّاس إليه؛ لأنَّهُ يتكلَّم بكلام حقيقةً يُخجل السَّامِع فضلاً عن القريب، لماذا؟ لأنَّهُ كان يُردِّدهُ في حياتِهِ، وفرق بين من تدخل بالعناية المُركَّزة بالمُستشفى وتجد شخص يقرأ القرآن، وآخر يُؤذِّن، وثالث يلعن ويشتم ويسب من لا شعُور ما يدري عن شيء، شيء مُشاهد، ومن أراد أنْ يعتبر ويدَّكر كما قال القرطبي في تفسير {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}[(1) سورة التكاثر] يقول: من أراد الاعتبار و الادكار يزُور المقابر، يقول: إنْ كان مع كثرة زيارتِهِ إلى المقابر قد قلَّ أثرُها في نفسِهِ وتأثيرُها عليهِ، فليحضُر المُحتضرين، حالة سُبحان الله العظيم من شاهدها لاشكَّ أنَّها تُؤثِّر من في قلبِهِ أدنى حياة؛ لكن الميِّت ما لجرحٍ بميِّتٍ إيلامُ، قلب الميِّت مالهُ حياة، ويُشارك في التَّغسيل ويحضر الجنائز، ومع ذلكم بعضُ النَّاس يشهد هذه المشاهد ولا تُؤثِّر فيه شيء، لاشكَّ أنَّ كثرة الإمساس و كثرة مُعاينة هذه الأُمُور قد تُخفِّفُها على النَّفس؛ ولكنْ يبقى أنَّها لابُدَّ من استحضار حال الإنسان في هذا الظَّرف، فمن استحضر حالهُ في هذا الظَّرف لابُدَّ أنْ يتأثَّر، وعُثمان -رضي الله عنه- إذا رأى القبر بكى بُكاءً شديداً يقول: هذا أوَّل منازل الآخرة، إذا نجينا من هذا المنزل خلاص عتقنا، ويُوجد الآن رأيَ العين من يُدخِّن على شفير القبر، موجُود وليس بشاب لا كهل نصف لحيته أبيض ويدخن على شفير القبر، فضلاً عمن يبيع ويشتري ومواعيد ونُكت في المقبرة، كل حالة لها لبوس، والله المُستعان.