دراسة أعدتها وزارة العمل لدى وزارة المالية لتحديد الأجور الجديدة تواجه الحكومة صعوبات بالغة في تحديد "الفئات الهشة" التي تحدث عنها الوزير الأول، عبد المالك سلال، باعتبار أنها ستكون المستفيد الأول من إجراءات إلغاء المادة 87 مكرر، بداية من جانفي المقبل، كمرحلة أولى. وفي هذا الصدد، وجهت وزارة العمل دراسة تقنية لوزارة المالية، كي تعتمدها كأرضية في كيفية تحديد قيمة الزيادات وكذا الفئات التي ستشملها بداية من مطلع العام الجديد، وذلك استنادا إلى السيولة المالية التي بإمكان الحكومة وضعها بعنوان إلغاء المادة المذكورة. وأكدت مصادر شاركت في اجتماع الثلاثية أول أمس الخميس، بين الحكومة و"الباترونا" والشريك الاجتماعي الوحيد، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ل"الشروق" أن الرؤية لم تتضح بعد على مستوى الحكومة بشأن الفئات العمالية التي ستشملها الزيادات المقررة في قانون المالية 2015، بسبب الأثر المالي المعتبر الذي يتعين على الحكومة توفيره، فضلا عن عدم توصل الجهات المعنية إلى قاعدة حسابات واضحة. ومن هذا المنطلق، تبحث الحكومة عن إيجاد الصيغة التي تمكنها من "تفتيت الصدمة" وذلك من خلال التطبيق التدريجي للإجراء، في محاولة منها لتخفيف العبء على الخزينة العمومية، كما قال الوزير الأول أمام مسؤولي "الباترونا" والاتحاد العام للعمال الجزائريين. وتشير معلومات غير رسمية إلى أن المستفيدين الأوائل من إلغاء المادة 87 مكرر، هي الفئات من واحد إلى 10، التي لا تصل أجورها إلى الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، المحدد فعليا ب12 ألف دينار، ما يعني أن استفادة شرائح واسعة من العمال من إلغاء المادة المذكورة، سيبقى مؤجلا إلى وقت غير معلوم، طالما أن قرار الحكومة تحكمه المخاوف من انعكاس أي زيادة في الأجور، لا تستند إلى جدوى اقتصادية. ومع استمرار الغموض بشأن تطبيق إجراءات إلغاء المادة 87 مكرر، برز سؤال آخر، عجزت لحد أمس كل أطراف الثلاثية عن الإجابة عليه، وهو هل ستشمل الزيادات ولو لاحقا، أجور إطارات الدولة الذين لا ينتمون إلى الفئات الهشة؟ ومعلوم أن أجور الإطارات تحدد على أساس الحد الأدنى المضمون للأجر مضروب في 8 مرات، غير أن تطبيق الإجراءات الجديدة سيرسم عتبة 18 ألف دينار كحد أدنى مضمون للأجر، ما يعني أنه من الناحية القانونية أن هذه الفئة ستستفيد من الزيادات كغيرها من بقية الفئات الأخرى. وقد أبانت "الباترونا" على لسان بعض أعضائها، عن تخوفها من الآثار المالية لإلغاء المادة 87 مكرر، غير أن الحكومة طيبت خاطرها من خلال إغرائها باتخاذ بعض الإجراءات، مثل بعض الإعفاءات الضريبية، وإعادة العمل بالقرض الاستهلاكي، وذلك لمواجهة تذمر "الباترونا" من استمرار إغراق السوق الوطنية بالمنتجات المستوردة، التي ساهمت بقسط كبير في خفض الأسعار، وكذا السوق الموازية.
طالبت بمادة أو نصوص تضبطه بعد إلغاء المادة 87 مكرر النقابات المستقلة تحذّر الحكومة من الالتفاف حول الأجر الأدنى المضمون حذّرت النقابات المستقلة، الحكومة من مغبة الالتفاف حول الأجر الأدنى المضمون "سميغ"، الذي "اندثر وزال" بموجب إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل، مطالبة بنص قانون أو مادة في قانون العمل تضبط وتعرف وتحكم الأجر الوطني الأدنى المضمون، مؤكدة أن الإلغاء إيجابي، لكن وجب توضيح الضبابية التي تلفه. وفي السياق، قال الأمين العام للنقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية "سناباب" بلقاسم فلفول، في اتصال مع الشروق، إن نقابته طالبت منذ أكثر من 10 سنوات بإلغاء هذه المادة وإخراج المنح والتعويضات من الأجر الأدنى، ولكن مع إلغائها ما زالت ضبابية كبيرة تلفها كون إلغاءها معناه كذلك أن ال"سميغ" يصبح لا وجود له، متسائلا كيف سيكون الآجر الوطني الأدنى المضمون بعد الشروع في تطبيق هذا الإجراء. وبحسب فلفول، فإن إلغاء المادة 87 مكرر سيمس الفئات الهشة وتحديدا من الصنف 1 إلى الصنف ثمانية، وهو ما يعني أن الفوارق بين الأصناف ستزول كذلك بإلغاء هذه المادة، كون الأصناف الدنيا ستقفز إلى درجة الأصناف العليا، وهذه الأخيرة لم تحدد كيفية استفادتها من الإلغاء، مؤكدا أن النقابة سيكون لها موعد بحر الأسبوع الداخل مع وزير العمل، لتوضيح الضبابية التي تلف قضية إلغاء المادة 87 مكرر. أما المكلف بالإعلام في نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية "كناباست" مسعود بوديبة، فقال في تصريح ل"الشروق"، بأنه بعد تأكيد الإلغاء من طرف الحكومة للمادة 87 مكرر، فإن المجلس لا يرى هذا الإلغاء مكسبا، بقدر ما يراه استرجاعا لحق ضائع وإجحاف في حق العمال استمر ل20 سنة، وهو ما يعني أن إصرارا على الإجحاف من الحكومة قد استمر لعقدين من الزمن، وقال "الإلغاء هو بداية لتصحيح الإجحاف واعتراف من الحكومة بذلك". وبحسب محدثنا، فإن الحكومة مطالبة بإجراءات مرافقة لهذا الإلغاء، حتى لا يكون التفافا على مكتسبات العمال، لأن النقابات كانت تطالب بإلغاء المادة 87 مكرر وال"سميغ" هو جزء من هذه المادة، مطالبا الحكومة بأن تعرف الحد الأدنى للأجور قبل الشروع في تطبيق إلغاء المادة 87 مكرر، وهذا حتى لا تكون هناك تلاعبات سواء في الوظيف العمومي أو القطاع الاقتصادي العام والخاص، واقترح أن تكون مادة في المرسوم تضبط وتحدد بدقة معالم الأجر الأدنى الوطني المضمون.
ثلاثية بدون جدوى اقتصادية أو اجتماعية يرى متابعون أن النتائج التي أفرزتها الثلاثية الأخيرة بدون أي جدوى اقتصادية أو اجتماعية، وأن قراراتها لا ترتقي للتطلعات الاجتماعية والاقتصادية. وأوضح هؤلاء في تصريحات ل"الشروق" أن جميع اللقاءات الثلاثية التي تم عقدها منذ 2000 إلى اليوم لم يسبق تناولها الإشكالات الحقيقية التي تعيق الاقتصاد الجزائري والمقاولاتية المحلية، حيث تكتفي السلطة بالتلويح بزيادات في الأجور بعد أن تكون قد اتفقت مع النقابة تحت الطاولة على التهليل والتكبير لما تعتبره نجاحا أمام بقايا العمال. أما منظمات الباترونا فكانت منشغلة بمطلبين أساسيين فقط، وهما كيفية الاستحواذ على المزيد من العقار الصناعي بالدينار الرمزي لتحويله عن وجهته وطرحه في السوق لتغذية المضاربة بالقطعه الأرضية، وثانيا كيفية تحصيل المزيد من القروض البنكية التي تتحول بمرور الأعوام إلى ديون معدومة في محافظ البنوك العمومية. ويجلس بحسب هؤلاء في كل مرة أطراف الثلاثية لبحث مواضيع أخرى غير تلك التي يمكن أن تسهم في بعث الاقتصاد الجزائري بطريقة فعلية وتحقيق قفزة نوعية على صعيد النمو والشغل وخلق الثروة والدخول بطريقة جادة وفعلية في عصر ما بعد الريع، فباستثناء إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل والتي تكفل بها مجلس الوزراء من قبل، لم تحقق ثلاثية نهاية الأسبوع شيئا من قرارات وتوصيات الثلاثية رقم 15 الاقتصادية والاجتماعية. ويجمع الكثير من المتابعين للموضوع على استحالة تطبيق توصيات الثلاثية الماضية المنعقدة في فيفري 2014، لكثير من الاعتبارات، سياسية منها وأخرى اقتصادية، أولها أن غالبية توصيات الدورة ال15 يطغى عليها الطابع السياسي، إلى جانب عدم الاستقرار الاقتصادي الذي عاشته البلاد في العام الجاري، حيث أن سنة 2014 كانت سنة الانتخابات الرئاسية، ثم التعديلات الحكومية المتتالية، مع عدم صدور قانون الاستثمار الجديدة، بالإضافة إلى انفراد الحكومة بالقرار واكتفاء الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين بالاقتراح ورفع مطالب لا تتحقق وإن تحققت لا تفي بالحاجة. ويرى هؤلاء أن تحالف أرباب العمل مع النقابة والحكومة ما هو سوى تحالف بروتوكولي شكلي غير تمثيلي، يوفر للنظام السياسي الحالي نصاب البقاء بإجراءات تسمى اقتصادية واجتماعية، ولرجال المال المزيد من المزايا، في وقت تعرف جميع القطاعات احتجاجات يومية.