نشرت : المصدر الشروق الجزائرية السبت 07 مارس 2015 12:00 لم يعد يفصل قسنطينة سوى شهر واحد، عن بداية عملية صرف 700 مليار في نشاطات ثقافية، قيل وسيقال الكثير فيها، وعنها، عن فائدتها لمجتمع تزداد الهوّة بينه وبين الثقافة، كلما اقترحت عليه السلطات مثل هذه المهرجانات والتظاهرات التي تتكرّر وتتشابه، من دون أن تحرّك البلاد ثقافيا، بدليل أن الجزائري يستورد ما يتعاطاه من الثقافة، إما من أوروبا أو من المشرق العربي، وحتى من الهند وتركيا والمكسيك، فلا ألحان ولا مسرحيات ولا أفلام سينمائية، وأكبر المهازل التي ستعيشها قسنطينةوالجزائر بشكل عام أمام زائريها، عند اكتشاف بأن المدينة عاصمة الثقافة العربية 2015 لا تمتلك حاليا قاعة سينما واحدة، وكان بها تسع قاعات منذ قرن مضى، ولا تمتلك أي مسرح، إلا ذاك الذي أنجزته فرنسا منذ أكثر من قرن من الزمان، ولكم أن تتصوروا بعد هذا، مدينة عاصمة للعرب، من بغداد إلى فاس ثقافيا. 4000 مليار ل 7127 شاب وشابة من الشيوعيين أول نزيف مالي ضخم صبته الجزائر في مهرجاناتها الضخمة، كان بمناسبة احتضانالجزائر، في أوت من عام 2001 المهرجان العالمي للشباب والطلبة ذي البعد الثقافي،بعنوان تقديم صورة بهية للجزائر، بالرغم من أن المهرجان هو فكرة قديمة تعود للسنواتالبلشفية في زمن المعسكر الشرقي، ولكن أطرافا تمكنت من إقناع الرئيس بوتفليقة بضرورةاحتضان الجزائر للمهرجان العالمي حتى تُكسر الجمود المخيّم عليها، واعترفت الدولة بأنالميزانية التي رًصدت لهذا المهرجان بلغت 38 . 5 مليار دج، وارتفعت الميزانية وجاوزت4 آلاف مليار سنتيم، حيث دخل الجزائر بالتدقيق 7127 شاب وشابة من مختلف بلادالعالم خاصة من الدول الشيوعية مثل كوريا الشمالية وفيتنام وكوبا، ووفرت الجزائر لهذاالعدد الكبير المأكل والإقامة في الفنادق والإقامات الجامعية وبيوت الشباب في العاصمة،وأماكن اللهو من رقص وغناء. ووجد المنظمون أنفسهم مجبرون على مسايرة هؤلاءالسياح والسائحات، وكلهم من الشباب جاؤوا من أجل اللهو فقط وقبروا الثقافة من أول يوم،والغريب أن نواب البرلمان في بداية شهر جويلية2001 صادقوا على الميزانية المخصصةللمهرجان، من دون تردّد. وبالرغم من أن عدد المشاركين تقلص حسب السيد مختار بوروينة الذي كان حينها رئيسلجنة الإعلام والاتصال باللجنة التحضيرية للمهرجان، إلى النصف، إلا أن الميزانية ارتفعتوتجاوزت الأربعين مليار دج. ثم أسالت "سنة الجزائر في فرنسا" سنة 2003 الكثير من الحبر واتضح أن أموالا طائلةصرفت لتقديم بهرجة فنية وثقافية في عاصمة الجن والملائكة وللتباهي بما حققته الجزائرمنذ الاستقلال على مستوى الكتاب والمسرح والسينما والفلكلور.
محاولات محفوظ نحناح لمنع مهزلة الترفيه العالمي وحاولت في ذلك الوقت حركة مجتمع السلم، التي كان يقودها الراحل محفوظ نحناح تقديمالنصيحة ومراسلة القائمين على شؤون البلاد من خلال بيان طويل، لتوقيف ما سمتهبمهزلة الترفيه العالمي، لأن بداية المهرجان تزامنت مع عملية إرهابية هزّت الجزائر فيمنطقة أولاد بوعزة بولاية غليزان وأودت بحياة 17 جزائريا، كما تزامنت مع أحداث القبائل،ولكن النزيف المالي تواصل إلى النهاية، فكانت لبنة المهرجانات الأولى. مع الإشارة إلى أن 151 بلد شارك في المهرجان و5000 طالب وطالبة جزائرية، وأخذالمهرجان بالكامل طابعا ترفيهيا فقط، وحدثت في ذات المهرجان تجاوزات سياسية خطيرةجدا، حيث رفع بعض الشباب الجزائري بدلا عن العلم الجزائري رايات حمراء، كما رفعالروس علم الاتحاد السوفياتي السابق الأحمر اللون رمزا للشيوعية، وليس علم روسيا،وحتى حفل الافتتاح كان فضيحة بكل المقاييس، بيّن عملية هدر المال العام مع سبق الإصراروالترصّد، وقال حينها القائمون على المهرجان، بأن الجزائر صحّحت صورتها في العالم،وبإمكانها أن تستقبل في السنوات القادمة الملايين من السياح الأجانب، وأن تنضم لمنظمةالتجارة العالمية، ومرّت 14 سنة من المهرجان الذي رمى 4000 مليار سنتيم في البحروالكثير من المبادئ والأخلاق، ولا شيء تحقق بعد هذا التبذير.
خليدة تومي تتبنى التظاهرة وتصرف 550 مليون دولار حاولت وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، إعطاء نظرة ثقافية لتظاهرة الجزائر عاصمةالثقافة العربية التي احتضنتها الجزائر العاصمة طوال سنة 2007، من خلال حديثها عنرقم ألف كتاب، و50 مسرحية و70 فيلما سينمائيا وتلفزيونيا ووثائقيا. وجمعت الوزيرةوالمناضلة السابقة في الأرسيدي والمفرنسة من حولها عددا من المعربين، رقت بعضهم إلىمنصب مديرين للثقافة، من الذين علموها بعض العبارات العربية من لغة الخشب، لمراوغةالجزائريين، وأيضا الوفود العربية القادمة من 18 بلدا عربيا، وكلما رفعت من عدد الجولاتالداخلية من ولاية إلى أخرى بحجة جزأرة التظاهرة وعدم تركها في قلب العاصمة، ومنخلال تقديم المئات من الندوات الأدبية والفكرية، كلما رفعت من الميزانية، وتمكنت من أنتقتطع من أموال الجزائر قرابة 2000 مليار سنتيم، وقالت الوزيرة بأن هذه الأموال، لاشيء، أمام الثورة الثقافية التي ستحققها الجزائر، الوزيرة السابقة حاولت تبرير صرفالملايير بالقول بأن الجزائر العاصمة، كسبت متحفا للمنمنمات والخط العربي في قلبالقصبة، وهو الفن الذي انقرض منذ وفاة المبدع عمر راسم، ومتحف الفن المعاصروالحديث، وهي جميعا مناطق قديمة تم ترميمها، وابتلعت مع إنجازات أخرى نصف ملياردولار، وبعد مرور ثماني سنوات عن نهاية تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية عادتنفس المتاحف للنوم، وحتى ما سُمي ترميما تبيّن بأنه صباغة بالجبس لا أكثر ولا أقل.
مساءلات في البرلمان بسبب 800 مليار المهرجان الثقافي الإفريقي ثم جاء المهرجان الدولي الإفريقي الثاني الذي احتضنته الجزائر سنة 2009 بعد أن احتفىبه الرئيس الراحل هواري بومدين سنة 1969. وحجت القارة السمراء إلى الجزائر وكيفتكل التظاهرات مع الانتماء الجغرافي والتاريخي. وطلبت وزيرة الثقافة خليدة تومي للمثولأمام نواب البرلمان للرد على سؤال كتابي وجهه النائب علي حفظ الله عن الكتلة السياسيةلحركة النهضة لتبرير صرف مبلغ 800 مليار في المهرجان الثقافي الإفريقي بالجزائر، وهوالمبلغ الذي قال النائب وقتها بأنه "يكفي لبناء 4 آلاف مسكن و160 مؤسسة تربويةبالجزائر".
1400 مليار للثقافة و5.5 مليار دولار لتزيين المدينة يعترف التلمسانيون وغيرهم من الجزائريين، بأن فرصة احتضان تلمسان لتظاهرة عاصمةالثقافة الإسلامية 2011، التي شارك فيها ثلاثون بلدا من العالم الإسلامي، كانت فرصةالعمر لهذه المدينة العريقة المنسية، على مدار عقود لأن تتحول فعلا إلى أجمل مدينة فيالجزائر، بل أصبحت مدينة سياحية بامتياز بالرغم من أنها غير ساحلية، ولكنها حلبت فيتنميتها بداية من عام 2009 عندما تأكد ترسيمها كعاصمة للثقافة الإسلامية، خمسة ملاييرونصف مليار من الدولارات، حسب مصادر رسمية، فأصبح لتلمسان فنادق فخمة من سلاسلعالمية وحدائق وخاصة منطقة لالة ستي التي يمكن اعتبارها حاليا، أفضل مكان سياحيعلى مستوى الوطن، كما يمكن اعتبار تلمسان المكان السياحي الذي يمكنه أن يشرفالجزائر أمام أي زائر أجنبي بالرغم من أن الوجه الجميل لهذه المدينة الحضارية لعبتالطبيعة وأيضا الفاتورة الضخمة، التي رصدت في عملية "الماكياج" دورا هاما في تحقيقه،ولكن تلمسان نجحت في استرجاع القصر الملكي الزياني في أبهى حلة، وأنجزت أول قصرللثقافة المسمى الإمامة، وأربعة متاحف، وقارب رقم المشاريع الثقافية 100 مشروع، أمامن الناحية الثقافية فإن ميزانية تظاهرة عاصمة الثقافة العربية كانت ضعف ميزانيةقسنطينة عاصمة الثقافة العربية حيث بلغت 1400 مليار سنتيم، بحجة أن تلمسان كانتعاصمة إسلامية استضافت قرابة 30 بلدا، بينما لن يزيد عدد البلدان التي تستضيفهاقسنطينة عن 20 بلدا، وطبعا لعب انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية والتقشف المعلنحكوميا، في اتساع الهوّة بين التظاهرتين، وكما حاولت الوزيرة السابقة للثقافة السيدة خليدةتومي العزف على أوتار الأرقام، في تظاهرة العاصمة الجزائرية، حاولت أيضا في تظاهرةتلمسان، حيث تحدثت عن مرور ألف فنان من بلاد العالم واحتضان المدينة لمئتي حفل فني،وملء المكتبة الوطنية ب 365 عنوان، وتكرّرت نفس فضائح العاصمة في 2007، حيثكانت غالبية المؤلفات لا علاقة لها بالتاريخ، وكان يكفي ذكر كلمة تلمسان في العنوانلتباشر مطابع وزارة الثقافة، طبع الكتب وضخها للتظاهرة دون أن يكون لها أي صدى فيالمشهد الثقافي.
700مليار سنتيم لتظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية من سوء حظ المشرفين على تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 ومن حسنحظ الجزائر، أن موعد التظاهرة تزامن مع الانهيار المريع لأسعار النفط، فتقلصت الميزانيةالخاصة بالتظاهرة الثقافية إلى حدود 700 مليار سنتيم فقط، ولم يتسلم محافظ التظاهرة لحدالآن سوى 400 مليار، كما أن المشاريع الكبرى توقفت عند فندق ماريوت وقاعة زينيتللعروض فقط، ولم تتعدى الميزانية المليار دولار، ذهبت الحصة الكبرى لمؤسسات صينيةتولت الإنجاز في ظرف قياسي، إضافة لمؤسسات برتغالية وإسبانية وإيطالية مختصة فيالترميم، بعد أن تبخرت العشرات من المشاريع مثل قصر المعارض ودرب السياح، فاتضحبأن التظاهرة جلبت لقسنطينة الكلام الكثير، من دون مشاريع تذكر، وحكاية احتضانقسنطينة تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، بدأت منذ أن اختيرت تلمسان لاحتضان تظاهرةعاصمة الثقافة الإسلامية، حيث تساءل الكثيرون في حيرة، ووصل صدى ذلك إلى وزيرةالثقافة السابقة خليدة تومي، ومحيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لأن قسنطينة هي مدينةالعلامة الإسلامي الكبير عبد الحميد بن باديس والمفكر الإسلامي العالمي مالك بن نبي،ومهد جمعية العلماء المسلمين وعاصمة الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر، فحاولت خليدةتومي أن تعوّض المدينة، فاقترحت أن تسميها لتظاهرة عاصمة الثقافة الأمازيغية، بالرغممن أن المدينة بعيدة جدا عن ما حاولت الوزيرة السابقة دفعها إليه، من خلال اهتمامها اللامحدود بضريح ماسينيسا في الخروب بذات الولاية، ليتدخل رئيس الجمهورية ويقترحاحتضان المدينة لتظاهرة عاصمة الثقافة العربية، وكان من المفروض أن تظهر المدينة فيحلة جديدة، ولكن، كل المساعي باءت بالفشل، وهي لحد الآن بعيدة عن أن تكون جاهزةلاحتضان التظاهرة العربية من كل النواحي، فقد رصدت الولاية مبلغ 1800 مليار لإصلاحالطرقات ومازالت جميعها مخربة، وستستقبل زوارها من العرب وهي لا تمتلك حديقةواحدة. وبعملية حسابية بسيطة نجد بأن الجزائر في خمسة مهرجانات فقط، قيل بأنها ثقافية، قدصرفت أكثر من سبعة ملايير دولار في البنى التحتية والترميم، و8100 مليار سنتيم فيالمشهد الثقافي الذي يتركز على الأغاني والرقص والسينما والمسرح والقليل من الأدبوالرسم، هذا دون عدّ ميزانية بقية المهرجانات التي تشهدها الجزائر باستمرار وفي مختلفالولايات، وكلها مصاريف تصبها الدولة في غياب "السبونسور"، ومن دون انتظار النتائجالثقافية.