مختار التليلي من أقدم المدربين على الساحة العربية وعميد المدربين التونسيين يسمى “الديناصور” وأيضا “المخ”، درّب عدة أندية تونسية أبرزها البنزرتي والملعب التونسي والقمة الترجي والإفريقي، نال ثلاثة كؤوس تونسية كما أنه الوحيد من المدربين التونسيين الذين تحصلوا على كأسين من يدي الرئيسين الراحل بورڤيبة وبن علي، كما أشرف على تدريب أندية خارجية من بينها الوحدة ونجران والشعلة والكوكب والخليج والنجمة في السعودية، كما قاد فريق خليج سرت الليبي، بالإضافة إلى عدة أندية في البحرين والإمارات والمنتخب التونسي، هو حاليا مدرب المنتخب الأولمبي الفلسطيني، التقيناه في تونس يوم الأحد على هامش مقابلة تونس وفرنسا، تكلمنا معه عن أمور تهمّ المنتخب الوطني. ويوم الاثنين عقب الاعتداءات الجبانة التي حصلت على قافلة “الحرية” من قبل الجنود الإسرائليين، لم نجد أفضل منه للحديث عن هذه النقطة فاتصلنا به هاتفيا، وننقل لكم شقي الحوار بداية بالاتصال الهاتفي.. بداية مختار، ما هي انطباعاتك بشأن الجريمة التي حدثت بالاعتداء على أسطول “الحرية“ المتوجه لفك الحصار على غزة؟ أتابع كل تفاصيل الجريمة النكراء، التي قامت بها السلطات الإسرائيلية اتجاه محبي السلام، وفي اعتقادي اعتداء مثل هذا يترك الشعوب العربية والعالمية تقف وقفة تأمل أمام ما تفعله آلة الدمار الإسرائلية الهمجية التي لم تفهم إلى اليوم أن هناك شعبا يريد أن يعيش بسلام، وكأن هؤلاء الجبناء المعتدون يحيون وحدهم في العالم ويتصرّفون مثلما يحلو لهم بلا حسيب ولا رقيب. أردوغان طالب العالم كله بالتحرك حتى تتوقف هذه المهزلة أو هذا الجبروت، وهذا ما يجب أن يحصل أمام هذه الكارثة. وتونس من البداية ندّدت بالاعتداء مثلها مثل الجزائر والمغرب، أين أقيمت مظاهرت صاخبة في الشوارع ساخطة على ما قامت به اسرائيل التي ستندم وستخسر كثيرا على هذه الفعلة. وفي رأيي حان الوقت للشعوب والحكومات العربية للاتحاد وإسماع صوتهم من أنهم لا يقبلون هذا الجبروت الإسرائيلي اتجاه فلسطين . كما بودّي أن أقول شيئا. ما هو؟ السلطات الإسرائيلية عملت المستحيل لأجل تقسيم الفلسطينيين وتشتيت قوتهم بين غزة ورام الله، وتعتقد جازمة أن اعتداء مثل هذا لن يحدث أي رد فعل لأن الشعب الفلسطيني ليس متحدا، لكن رغم الاختلافات السياسية وكل شيء، سيقول كلمة واحدة أن أمر كهذا لن يمرّ مرور الكرام، وهو الإنطباع نفسه السائد لدى الحكومات العربية المطالبة بموقف مشرف في القضية. اعتداء مثل هذا، كيف استقبلته وأنت الذي تعمل في فلسطين؟ كنت يوم أمس على اتصال متواصل بمسؤولي الاتحادية الفلسطينية لكرة القدم، واعلمتهم أنني سأحضر الأسبوع القادمة لمواصلة عملي، وصدقني عائلتي وأصدقائي شدّدوا عليّ كثيرا، حتى أعود وأواصل العمل، الموت مرة واحدة ولا يوجد إنسان يموت 3 مرات، ولو كان الأمر بيدي لتنقلت اليوم قبل الغد، صراحة أريد أن أكون في صميم الأحداث وأعيش ما يعيشه الفلسطينيون من مآسٍ إنسانية من ارتكاب العدو الإسرائيلي. متى ستسافر إلى فلسطين؟ بداية الأسبوع القادم، أي يوم الاثنين (يوم الاثنين هو بداية الأسبوع في تونس). هل تضع ضمن احتمالاتك أنك قد لا تعود، بما أن الأوضاع غير مستقرّة في فلسطين، خاصة بعد الأحداث الأخيرة؟ الموت والحياة بيد الله، إذا جاءت الشهادة في فسلطين فهذا أمر يفرحني ومن منا لا يتمنى أن يكون شهيدا ويموت على هذه الأرض، سيكون ذلك إن حصل أقل شيء يمكن أن أتضامن به مع إخوتي هناك، وعسى أن تكون روحي جزءا يسيرا للتعبير عن مدى تعاطفي مع هذا الشعب الذي يموت في صمت، شعب ينادي بحقوقه المشروعة في الحياة بسلام فقط. هل خفت عندما قرّرت رسميا الإشراف على منتخب فلسطين؟ لا أبدا، أنا إنسان لا يخاف إلا من الله سبحانه وتعالى، والموت مرة واحدة، اعتبر نفسي مجاهدا والفرق بيني وبين هؤلاء المنخرطين في الكتائب، أنني أجاهد بطريقتي وهو يجاهدون بالسلاح، ولست مجرّد مجاهد ولكنني انتحاري أيضا، لهذا قبلت المهمة بكل رحابة صبر، بل بالعكس كنت فخورا فهذا لقب لي وتشريف آخر بعد مسيرة طويلة في سلك التدريب بلغت 42 سنة. على أيّ أساس قبلت العرض؟ على أساس إنساني سياسي قبل أن يكون رياضيا، وأتشرّف أنني أول مدرب تونسي يعمل في الأراضي الفلسطينية، تدعيما للموقف الرسمي حيث كان سيادته بن علي من أوائل المساندين للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وغيره من الرؤساء الجزائريين الذين كان دعمهم لفسلطين غير مشروع، والراحل هواري بومدين قال قولته الشهيرة “أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”. ماذا تنتظر من مهمتك على رأس المنتخب الفلسطيني؟ أكثر من مجرّد بناء فريق فلسطيني قوي يمكنه البروز والخروج من العزلة الرياضية، أريد مساعدة أبناء هذا الشعب، أريد أن أتضامن، أريد أن أعيش مع إخوتي هناك، آكل من خبزهم، وأعاني من البرد والجوع الذي يعانون منه، أريد أن أكون قريبا جدا، وقبل 3 أشهر دخلت عبر الأردن إلى فلسطين برّا، وكنت أحس نفسي بطلا قوميا، خاصة أنني حققت حلم سنوات طويلة بالتواجد على هذه الأرض الطيبة التي يريد اليهود تدنيسها. نتكلم عن المنتخب الجزائري، كيف ترى استعداداته قبل “المونديال“؟ الجزائر في رأيي تستعدّ بكل جدية لهذا الموعد الكبير، رغم أن سعدان يعاني من مشاكل المهاجمين، لكن في رأيي المشكل الأول في المنتخب الجزائري هو خط الدفاع الذي صار هاجسا للمدرب مع أنه كان نقطة القوة في التصفيات، وقبل أن تبني فريقا كبيرا عليك أن تمتلك دفاعيا قويا، وهذه قاعدة معروفة في كرة القدم. ألا ترى أن الدفاع الجزائري يتحمل عبء المهاجمين الذين لا يسجّلون؟ “مايسالش” عندما لا نسجّل يجب أن لا نتلقى أهدافا، الجزائر متوجهة إلى كأس العالم وحراسها يتلقون أهدافا بشكل متواصل، في المباريات الأخيرة جميعها دون استثناء، المهاجمون لم يسجلوا الكثير من الأهداف وأيضا الدفاع يظهر بوجه متواضع ويتقبل أهدافا، كما وقع أمام إيرلندا. يجب سريعا إعادة النظر في هذا الأمر، ومع التعديلات وبعض اللسمات، أنا واثق أن الجزائر ستؤدّي “مونديالا“ جيدا. حتى مع المستوى المتواضع الذي ظهر به الفريق في اللقاءات الودية؟ لا، لا.. هي لقاءات ودية وأنت قلتها، هي لست لقاءات رسمية، من هذه المباريات نكوّن فريقا، ودون هزائم لا يمكننا أن نلتفت إلى أخطائنا، عندما نفوز في المباريات التحضيرية، ونظهر أننا أقوى من الجميع، فماذا نستفيد؟ أخطاؤنا لا تظهر، ثم نكتشفها في المواعيد الرسمية، وتكون النتائج عكس تصوّراتنا، يجب على صديقي سعدان تصحيح الأخطاء التي ترتكب خاصة على مستوى الخط الخلفي، بالإضافة إلى تغيير بعض العناصر التي تلعب دائما. هذه هي الأولوية في الفترة القصيرة التي تبقت قبل “المونديال“. أي عناصر تقصد؟ بعض المهاجمين الذين لا يقنعون. إذن ترى أن سعدان يمنح الثقة بشكل مبالغ فيه ل غزال، مادام هو اللاعب الأساسي الوحيد في الخط الأمامي؟ أنا لا أتدخل في شؤون المدربين، مثلما لا أحب أن يتدخل أحد في شؤوني الخاصة، سعدان قريب من لاعبيه أكثر مني، ويعرف نقاط قوتهم وضعفهم، وفي رأيي يجب وضع الثقة في رابح الذي لديه الإمكانات والمؤهلات لبناء فريق يؤدّي “مونديالا “ مشرّفا. تبدو متفائلا فعلا بالمشاركة الجزائرية؟ متفائل جدا بالجزائر ما دامت متواجدة في جنوب إفريقيا، وتواجدها سيجعلها ممثلة لنا كتونسيين وكعرب، وسنكون كلنا خلف “الخضر” لأداء “مونديال“ مثالي. ماذا يمكن للمنتخب الوطني تحقيقه في كأس العالم؟ إن شاء الله إذا اجتمعت الظروف المناسبة وتوفر الهدوء المساعد قبل “المونديال“، وكانت الأجواء جيدة داخل المنتخب الجزائري، سيكون بالإمكان المرور إلى الدور الثاني، ولم لا أبعد من ذلك. خلال 42 سنة من التدريب أكيد أنك عرفت الكثير من الجزائريين في مسيرتك؟ هذا شيء أكيد، بداية ب رابح سعدان الذي عرفته في الجزائر وعندما جاء إلى تونس بداية سنوات التسعينيات لتدريب النجم الساحلي، هو صديق حميم لي الآن، واحترمه جدا، كما عرفت بن شيخة كلاعب قبل أن يكون مدربا أين أشرفت عليه في ترجي جرجيس لمّا كان مدافعا، وبصراحة أخلاقه عالية جدا، وأنا أحبّه إلى درجة لا تتصوّرها، كما اعتبره مدربا كبيرا وأرى فيه الخليفة القادم للمدرب سعدان. هذه رسالة منك للاتحادية الجزائرية أم ماذا؟ (يضحك)... لا، لا .. قلت إنني أرى فيه المدرب القادم للمنتخب الجزائري مع فائق التقدير والمحبة للشيخ سعدان. علمت إلى جانب فرڤاني في الترجي، كيف كانت الأمور؟ فرڤاني شخص رائع جدا، والملاحظة نفسها بخصوص محي الدين خالف، هذان الشخصان مستواهما عال للغاية، لأنهما أناس في القمة وأتشرّف أنني كنت صديقا لهما في يوم ما. ما قولك في المدرب بلحوت المتوّج بلقب كأس تونس مع الأولمبي الباجي؟ “برافو“ له، أكد أن التجربة الجزائرية دائما ما تنجح في تونس، والمدربون الجزائريون كلهم مكوّنون بطريقة سليمة... إن شاء الله بعد أن فتحنا لهم الأبواب ووجدوا ظروف العمل المناسبة التي سمحت لأغلبهم من تحقيق نتائج أن يحدث العكس ويكون هناك تبادل ونذهب نحن إلى الجزائر، لأن قلة من المدربين التونسيين علموا هناك. أوصلوا من فضلكم هذه الرسالة إلى رؤساء الأندية الجزائرية. أثرت غضب المصريين بعد مقابلة الجزائر ومصر في كأس إفريقيا باتهاماتك الخطيرة على قناة تلفزية للحكم “كوفي كوجيا“، وكأنك جزائري؟ (يضحك بشدة)... أغضبني جدا ذلك الحكم بطريقة تحكيمه السيّئة ورأيت في تلك المقابلة، صور ما فعله بالأندية والمنتخبات التونسية لصالح فرق أخرى، فقلت ما جاء في قرارة نفسي على “سخانة”، وصفته بكل الأوصاف لأنه حكم مشبوه ولا يشرّف التحكيم الإفريقي ولم يكن من المفترض أن يواصل إلى غاية سن 45 سنة، كان يمكن لولا المجاملات وبعض الأغراض الشخصية أن يُقصى قبل هذا الوقت بكثير، لكن عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. هل تعلم أن انفعالك بتلك الطريقة جعل شعبيتك تتزايد وسط الجزائريين؟ (يضحك)... انفعلت على المباشر، وغضبت بطريقة لا يمكن تصوّرها، أنا لا أكره مصر واحترم جدا الكرة المصرية، لكنني تمنيت أن يكون الفوز نظيفا ودون مساعدة من الحكم. قليل من الجزائريين يعرفون أن شهرتك زادت قبل 3 سنوات بتحقيقك معجزة كروية مع فريق بنزرت الذي كان شبه ساقط ورغم ذلك أنقذته في مرحلة العودة، هل لك أن تحكي كيف تمكنت من فعل ذلك؟ جئت إلى النادي البنزرتي في مرحلة الذهاب بعد أن اكتفى ب 6 أو 7 نقاط طيلة كل المرحلة الأولى من البطولة، الجميع يائس، اللاعبون أيضا والأنصار قاطعوا المدرجات، لكن بمساعدة الجميع أعدنا الفريق بقوة، اللاعبون صاروا أكثر وعيا، ما جعلنا نفوز بأغلب اللقاءات. ومنذ بداية الصحوة بدأت الناس تتكاثف وتؤمن بالمعجزة وصار الجمهور يتنقل بقوة، حققنا نتائجا باهرة في كلّ الملاعب تقريبا، وفزنا على الفرق الكبيرة داخل الديار وخارجها، وفي المباراة الأخيرة انتصرنا على النجم الساحلي بميدانه وضمنا البقاء بطريقة تاريخية لا اعتقد أن إنسانا واحدا في بنزرت سينساها طول حياته. ماذا تضيف؟ تونس كلها معكم أطفالا ونساء وشيوخا، وبوجودكم لا نعتقد أننا غائبون عن “المونديال“.