يكتبها : مصطفى الآغا وانطلق العرس الكروي العالمي ( الإفريقي ) بكل ما أوتي من قوة ... وكأني به يقول لكل العالم ها هي إفريقيا التي شكّكتم بها وبقدراتها تقول لكم إنني قادرة لو منحتموني الفرصة .. وللأمانة والتاريخ فجنوب أفريقيا لا تمثل القارة السمراء ( الحقيقية ) لأن هذا البلد كان مستعمرا من الغرب “ المتقدم “ ولم يغادره بل بقي فيه وحَكمَه مئات السنين ... ولم يغادره مطلقا كما فعل في الدول الأخرى ....بل بقي وحكم والمشكلة أن الحكم الأبيض كان على حساب الشعب ( الأسمر ) صاحب الأرض الحقيقي الذي عايش الاضطهاد والتمييز العنصري البغيض سنوات طويلة حتى تحقق الحلم وبات الجميع شركاء في قيادة البلد ... وعرف من كان سجينا لدى “ البيض “ حوالي ثلاثة عقود من الزمن أن البلد لا يمكن أن تحكمه فئة على حساب فئة وأن الرياضة تستطيع أن توحد الجميع “ بيض وسود “ وبدأ ذلك عام 1995 عندما ساهم في استضافة بلاده لكأس العالم للرڤبي التي لم يكن منتخب بلاده يحظى فيها حتى بشعبية الأفارقة أبناء البلد لأنهم كانوا يعتبرونه منتخب البيض فقط رغم وجود لاعب أسمر واحد هو “ تشستر “ ....مانديلا وقف مع المنتخب بمن فيه من البيض وجعله قضيته الأولى التي تطغى حتى على الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية وظل يدعمه بكل قوته حتى وقفت البلد كللها معه وتوج بطلا للعالم على حساب نيوزيلندا “ الرهيبة آنذاك “ ... مانديلا نفسه هو من منح بلاده شرف تنظيم أول نهائيات لكؤوس العالم في إفريقيا وللأسف فصحّته باتت على “ قدها “ وهو الذي سيحتفل بعيد ميلاده الثاني والتسعين بعد أيام ولا ننسى أنه أمضى ثلث عمره مكافحا ضد الفصل العنصري وثلثه عمره في السجن وبعض السنوات رئيسا يحمل هموم بلاده ومواطنيه وآخر أيام حياته يقضيها كمواطن يقف مع بلاده وقضاياها كسفير “ غير مُعين “ ....مانديلا لم يحضر حفل الافتتاح لمصاب حل بعائلته كما قال الرئيس الجنوب إفريقي وهو وفاة أبنة حفيدته الصغيرة زيناني مانديلا ابنة ال13 في حادثة سيارة ...ولكن مانديلا حضر بروحه وفي كلمة الافتتاح إذن هي بطولة مانديلا بامتياز وهي أفكار مانديلا وهي أخلاق مانديلا وهو رؤية مانديلا التي يجب أن تسود العالم كلله لأن هذا الرجل لم يسع للثأر والانتقام عندما خرج من سجنه “ الأبيض “ بل سعى للمصالحة وبناء “ وطن” بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وكان لابد من تنازلات “ معنوية ثأرية “ بدت مؤلمة وغير مفهومة آنذاك للكثيرين ومنهم أبنته التي “ حاربته ووقفت ضده “ لأنها لم تفهم كيف يمد مظلوم يده لظالميه بعدما بات أقوى منهم ....هذه هي الرسالة التي حملها مانديلا لأبناء بلده وللعالم وهذه هي الرسالة التي أتمنى أن يفهمها الجميع وهي الرسالة التي حملها ديننا الحنيف قبل ألف سنة ونيف من وجود مانديلا وغاندي وهي أن العفو عند المقدرة وأن الحلم ساعة الغضب هو من أحب الفضائل الأنسانية وأكثرها قيمة ... نعم الرياضة يمكن أن توحد بين الشعوب وبين المتحاربين والمتخاصمين لو كانت هناك رؤية قيادية لمثل هذه الأمور ويمكن أن تصبح الرياضة وقودا للحروب ونارا ملتهبة تكوي وتأكل الأخضر واليابس وتلتهم “ العروبة “ التي نتشدّق بها ليل نهار ولا نتعامل بها ( معظم الأحيان وليس في كللها ) إلا من زاوية الحساسيات والكيديات والمناكفات ...كأس العالم بدأت ... فاربطوا الأحزمة واستمتعوا والأهم أن نتعلم الدروس المفيدة وليس العادات السيئة.