"ماتسبوش بلادكم..!!"،هي أكثر ما ظلّ عالقا في ذاكرتي، وقد سمعتها من نائب سابق في المجلس الشعبي الوطني، معتقدا أنه يسدي النصح لي، حينما أخبرته بقرار الهجرة للعمل في قطر! وبعد ثماني سنوات من "البعد المؤقت عن الوطن"، حيث لا مناص من العودة إليه يوما بإذن الله، لازلت أسمع العبارة "القاسية" نفسها، مثل كثير من زملائي الصحافيين وأبناء وطني المهاجرين!!.. "لا تسبوا وطنكم"، يلوكها مسؤولون في الدولة من أعلى هرم السلطة، مرورا بفئة من المثقفين والساسة والمسؤولين، ممن نطلق عليهم "خطأً" وصف "النخبة"، لكنهم أبانوا عن "تخلف فكري" ما فتئ يستشري في مجتمعنا !! وفي زمن اختلطت فيه المفاهيم والقيم، تحوّل مفهوم "المواطنة" أو"المواطن الصالح" إلى "صكوك غفران" توزعها السلطة على كل من يدعمها ويغطي إخفاقاتها ويمتدحها، ولا تتوان عن "تخوين" و"إقصاء" كل من تسوّلت له نفسه معارضتها أو انتقادها، فتحشره في خانة "أعداء الوطن"!! وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد بات مألوفا في وطني الحبيب، بين الفينة والأخرى، أن تتعالى أصوات تتهم الزملاء الإعلاميين بقناة "الجزيرة" بالخيانة والعمالة والانتهازية، وكل الأوصاف السلبية "الناقمة"، لا لشيء سوى أنهم يعملون في قناة لا يوافقون توجهاتها، أو لأن القناة نقلت خبرا صحفيا "سلبيا" عن "إضرابات" أو"مرض الرئيس"، أو بسبب مواقفها من "الربيع العربي"، فتتوجه السهام و"الألسن الجارحة" صوب الصحافيين الجزائريين بالقناة، وترميهم بتهم جاهزة حد المطالبة بسحب جنسياتهم، إن هم لم يستقيلوا فورا من القناة! من دون أن يحاول بعض زملاء المهنة فهم وجهة نظر أبناء وطنهم، وتلمّس كم يبذل المغتربون في بقاع الأرض من جهد للدفاع عن بلدهم في الخارج، مجانا، بلا منٍّ ولا رياء، أو طمع في منصب سياسي، أو حظوة لدى أهل القرار! بل إنهم هاجروا بعدما ضاقت بهم الأفق، ولم يأخذوا من خزينة الدولة، بل إنهم يحوّلون عصارة جهدهم وثمرة شقائهم في الغربة، من استثمارات وأموال يضخّونها في موازنة الدولة سنويا، بدل تحويلها إلى بنوك سويسرا !! لا زلت أذكر حينما زار الرئيس بوتفليقة الدوحة، كيف التفّ به الزملاء العاملين بمختلف وسائل الإعلام القطرية، وقدموا له مبادرة مكتوبة للإسهام في تطوير الإعلام والصحافة، وتدريب الكفاءات الوطنية مجانا وبلا مقابل! لكن تلك المبادرة دخلت طيّ النسيان! بل إن أحد الزملاء، ومن شدّة حزنه على حال الإعلام في بلده، أثار استياء زملائه حينما قال يوما لوزير الدولة عبد العزيز بلخادم في لقائه بالإعلاميين الجزائريين بالدوحة: سيدي الوزير، أنا مستعد أن نخدم "شيات" للنظام، لكن اعطونا فرصة لفتح قنوات تلفزيونية محترمة!! لقد توافد على الدوحة العديد من المسؤولين والشخصيات، بينهم الوزير الأول عبد المالك سلال، ووزير الإعلام السابق عز الدين ميهوبي، ورئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق عبد العزيز زياري، حرصوا على لقاء الإعلاميين، فسمعوا منهم عبارات الولاء لوطن يحبّونه بلا مقابل، ويرون أنه"يستحق الأفضل"، لكن تلك "المواطنة النّقية" لا تجد من يتلقفها، في مقابل أصوات "التخوين" و"التقصير" ضد أي جزائري"مغترب" حينما ينتقد واقعا مأساويا، يقرأه في صحف بلده يوميا، فيصنّفه "أدعياء الوطنية" في خانة "الخونة" و"بائعي الضمير"! ولا ضير في ذلك، فحينما تتّهم المعارضة بانتهاج سياسة "الأرض" المحروقة، لأنها تعارض سياسات السلطة، فلا ينبغي أن نتعجب حينما يخاطبك زميل صحفي متبجّحا: لا يحق لك أن تنتقد لأنك خارج الجزائر!!