رفعت الأسرة الفنية لمسرح ''عصمان فتحي'' بولاية مستغانم خلال هذه الأيام رسالة تظلم إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على خلفية قرار السلطات المحلية بالبلدية القاضي بهدم مبنى المسرح الواقع بحي سلمندر، حيث طالب أعضاء جمعية '' الموجة'' بالتدخل الشخصي والعاجل للرئيس لإنقاذ هذا الجسر الثقافي الذي كان محطة عبور لأعمدة المسرح الجزائري والعربي. وفي ظل إصرار السلطات المحلية لبلدية مستغانم على إزالة هذا المعلم الثقافي المهم وسكوت السلطات العليا على مثل هذه القرارات اللامسؤولة التي تمس بالذاكرة الثقافية الجزائرية، تساءلت النخبة الفنية الجزائرية والعربية على حد سواء ضمن بيان احتجاجي عن خلفيات هذا التصرف والتعنت للجهات الوصية مطالبة بتوقيف هذا القرار الذين اعتبروه مجحفا في حق الفن الرابع وهذا المبنى الذي شهد وفاة الممثل الكبير ''صراط بومدين'' ومازالت فضاءاته تردد صوت المؤلف الكبير ''ولد عبد الرحمان كاكي. وحسب ''بوجمعة حنان'' المكلفة بهذه القضية على مستوى جمعية '' الموجة '' فقد تبين لجريدة ''الحوار'' أن أصل القضية يعود إلى سنة 2007 حيث قررت البلدية المذكورة إعادة التهيئة العمرانية لمنطقة سلمندر وتحويلها الى واجهة بحرية ''كورنيش''، ورغم تمسك الجمعية بمقرها ''مسرح عصمان فتحي'' وذلك من خلال رفع العديد من الشكاوى والتظلمات على مستوى البلدية والولاية إلا ان قرار الإزالة دخل حيز التنفيذ خلال الايام القليلة الاخيرة، حيث فوجئ أعضاء الجمعية بطلب إمضاء الموافقة على الهدم من قبل المحضر القضائي والشرطة التي حذرت الفنانين من الوقوف في وجه هذه الإجراءات الإدارية المتعنتة. وبهذا يضاف مسرح ''عصمان فتحي'' إلى قائمة المعالم الثقافية التي تطالها قرارات عبثية غير واعية بقيمة هذا الفضاء الذي كان محجا سنويا لهواة ومحترفي الفن الرابع سواء من الجزائر العميقة أو حتى من وراء الحدود الوطنية، مشكلا ذاكرة المشهد الثقافي الجزائري. ''مسرح الموجة''.. الأسطورة المهددة بالاندثار لا يمكن الحديث عن ''مسرح الموجة'' بمدينة مستغانم وتاريخه الذي يقارب الثلاثين سنة بمعزل عن مؤسسه ومنشطه الفنان ''جيلالي بوجمعة''، فقد تخصص بوجمعة أصلا في التدريب الجسدي للممثلين المسرحيين، وسبق له وأن نشط ضمن فرقة''فن الخشبة'' ثم انتقل إلى ''مسرح الاشارة'' الذي لم يبق فيه طويلا، ليبحث عن فضاء له ويؤسس ''مسرح الموجة'' سنة 1978 في بيته وبغياب أدنى الامكانيات المادية، وظل ''مسرح الموجة'' ينشط ويعمل بدون مقر إلى أن وجد له مقرا وهو عبارة عن خمارة مهجورة تعود إلى زمن الاحتلال الفرنسي في الجزائر، وهي تشبه الحانات الموجودة في أفلام رعاة البقر الأمريكية، هذا المبنى تقع أرضه تحت وصايا السلطات المحلية هناك، ويتموضع عند شاطئ ''سلامندر'' وهو من أجمل شواطئ مستغانم والساحل الجزائري ككل. واستمر مسرح الموجة في مقره الجميل يستقطب الجمهور في كل فصول السنة، واعتمد رسميا سنة 1986 وباتت تعرض فيه المسرحيات المشاركة في مهرجان ''مسرح الهواة'' في دوراته المتعددة والذي اشتهرت به مدينة مستغانم، وعرضت في هذا المكان الكثير من المسرحيات العالمية لفرق جاءته من إيطاليا، اسبانيا، مصر، المغرب، لبنان وغيرها من البلدان، حتى أصبح علامة مدينة مستغانم الفنية المميزة، كل هذا يتم في مساحة محدودة جدا لا تزيد عن مساحة أية حانة مشيدة بالخشب، ووسط ديكور بسيط تقدم العروض على خشبة بسيطة وصغيرة، حتى تكاد الحدود تزول بينها وبين الجمهور الذي يأتيها من مستغانم وغيرها، وخلف الممثلين مباشرة تضرب أمواج البحر الجهة الخلفية للمبنى الخشبي في كل حين، فهو مسرح ''موجة'' حقيقة ومجازا في الوقت نفسه.