ح/سامية يشتكي أغلب المواطنين من نقص وتدهور الخدمات الاستشفائية خلال فصل الصيف، وخاصة في شهر أوت، حيث يستفيد أغلب العاملين في قطاع الصحة من عطلهم السنوية، فيما يلجأ الكثيرين منهم تحت ضغط العمل إلى العطل المرضية، مما يوقع المرضى في ورطة تتجدد معاناتها مع كل موسم صيف. يتخوف أغلب المواطنين هذه الأيام، من حالة الفراغ الذي توجد فيها الكثير من مستشفيات الوطن، خاصة أقسام الاستعجالات، حيث تتحول هذه الأخيرة إلى أقسام شبه خاوية على عروشها بسبب العطل والتي يقابلها للأسف الشديد إحصائيات مهولة من حوادث المرور وضربات الشمس ومختلف الانتكاسات التي يتعرض لها أصحاب الأمراض المزمنة في هذا الفصل، لكن هؤلاء لا يجدون في خدمتهم سوى بعض المتربصين غير المحترفين الذين لا يتمتعون بالحرفية العالية التي تسمح لهم بأداء الخدمة العمومية على أكمل وجه، ولهذا فغالبا ما تتوجه أصابع الاتهام إلى المتربصين على أنهم السبب في التهاون والتلاعب بصحة المواطنين، وقد تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، بحيث تنشب شجارات شبه يومية عبر كافة المؤسسات الاستشفائية الوطنية بين هؤلاء وكل الطاقم الطبي مع المواطنين وأولياء المرضى الذين يحتجون عل سوء الخدمات الطبية ونقص الرعاية والتهاون بالشجار اليومي والملاسنات الكلامية والتي تصل في أحيان كثيرة إلى غاية الشجار باليدين. والأمر لايقل سوءا بالأقسام الأخرى، حيث تعاني أقسام الولادة هذه الأيام من اكتظاظ كبير في الوقت الذي تعاني فيه من نقص الخدمة، مما يؤثر على حياة الحوامل وسلامة المواليد، أما أقسام الجراحة فلا حديث عنها بحجة أن العمليات الجراحية غير منصوح بها في فصل الصيف، إلا أن بعض الحالات الاستعجالية تشكو أيضا من التماطل خلال هذا الفصل والتأجيل إلى وقت لاحق، هو شعار ترفعه أغلب المصالح الجراحية في المستشفيات العامة فقط .. لا الخاصة طبعا.
الإسعاف المنزلي للمسنين ..في خبر كان مثل هذا التسيب والإهمال يحدث يوميا بمستشفيات الوطن، ولكنه يسوء أكثر خلال فصل الصيف، حيث يتراجع مستوى الخدمات، إذ يكفي أن نقوم بجولة استطلاعية في أي وقت من اليوم في مصلحة الاستعجالات بمستشفى مصطفى باشا لنتأكد بأن مستوى الخدمات قارب الصفر، خاصة في ساعات الليل، حيث تبدو المصلحة خاوية على عروشها ويقضي المريض الذي يأتي في حالة طارئة وبحاجة إلى تكفل مستعجل ليمكث لأكثر من ساعة قبل حتى أن تأخذ بياناته، فكيف لا زالت تسمى بالاستعجالات وهي لا تحمل من الاستعجال شيئا سوى اليافطة المعلقة على مدخل المصلحة. وما يزيد الطين بله هو تواجد عدد كبير من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم السبعين والثمانين لا يقدرون حتى على الجلوس لوقت طويل على الكراسي، لكنهم يضطرون لذلك لأن الأمر حتى ولو كان بسيطا إلا أنه يطول ويطول ويضطر المريض الثمانيني لتحمل ما لا يطيقه شاب في مقتبل العمر وهو ينتظر المعاينة، مما يدفعنا للتساؤل عن مشروع الإسعاف المنزلي للمسنين الذي بقي حبرا على ورق، ومازال المسن في بلادنا يعاني ويعاني إلى آخر رمق في حياته. تقول شريفة التي التقيناها بمستشفى بئر طرارية برفقة والدتها المسنة، بأنها جاءت بها لتدهور صحتها ليلا، خاصة وأنها فاقدة للشهية وتعاني من الأنيميا، بالإضافة إلى أمراض أخرى، مما يتطلب إسعافها على جناح السرعة، إلا أنها بقيت لساعات تنتظر دورها في الإسعاف مما زاد حالتها سوءا، وفي الأخير وضعوا لها "قرعة سيروم" ونصحتها الطبيبة بألا تأتي بها مجددا لأنها كبيرة وأن تكتفي بالعناية بها في البيت وكأن كل المواطنين وأولياء المرضى من الأطباء. احتارت السيدة لنصيحة الطبيبة، مؤكدة أن حالة والدتها كانت تستدعي أن تبقى في المستشفى، لكنها لم تحظ بذلك بحجة أنها كبيرة في السن، وكأن المسنين صارت حياتهم رخيصة في هذا البلد.
"سيدي مليح ..زاد لو الهواء والريح" الفراغ الذي تعاني منه المستشفيات لا يقتصر فقط على الأطباء والأخصائيين، فموسم العطل طال أيضا عمال وعاملات النظافة، مما أثر سلبا على نظافة أغلب المستشفيات التي صارت غارقة في الأوساخ التي تثير الاشمئزاز حتى في نفسية الزوار وليس من حكم عليهم المرض ليقيموا بين جدرانها، والأغرب في الأمر أن لا أحد يكترث لضرورة النظافة والتعقيم بالذات في هذا الفصل، حيث تسهم الحرارة في تكاثر الميكروبات والنتانة ونشر العدوى. رغم أن الأطباء وفي العديد من الندوات يدقون ناقوس الخطر حول تفاقم الإصابة بأمراض ناتجة عن العدوى من الوسط الاستشفائي، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى تسجيل 18 بالمائة من المرضى الذين يعالجون بالمستشفيات الجزائرية، وقعوا ضحية الإصابة بأمراض أخرى خطيرة بسبب انعدام النظافة، ومن بينهم البروفيسور سوكحال، الذي أشار إلى تسجيل 90ب المائة من حالات العدوى ببعض المصالح الاستشفائية الناتجة عن الفيروسات والميكروبات المنتشرة في الأوساط الصحية والتي أدت إلى وفاة أغلبيتهم، سيما الذين يمتلكون مناعة ضعيفة على غرار مرضى السكري والمصابين بفقر الدم المزمن، ما يستدعي تشديد المراقبة للتقليل من نسبة حوادث العدوى .
"حتى يتهنى الفرطاس من حك الرأس" يحدث هذا في مستشفياتنا كل صيف دون أن تجد السلطات حلا جذريا للموضوع، ورغم تعليمات وزارة الصحة لإدارات المستشفيات بضمان الخدمات للمواطنين، إلا أن الأمر من الصعب أن يتحقق لأن العطل الصيفية تطال المسؤولين أيضا مما يفتح الباب على مصراعيه أمام التجاوزات، إلى درجة أن ما ينقص بعض المستشفيات هو إقفال أبوابها أمام المواطنين حتى "يتهنى الفرطاس من حك الراس". محمد بقاط بركاني يؤكد: الأطباء يستفيدون من العطل وفقا لنظام التناوب أوضح محمد بقاط بركاني، رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين، في تصريح للحوار، بأن الأطباء في القطاع العمومي يستفيدون من العطل السنوية وفقا لنظام التناوب والمداومة، مشيرا إلى أن التقصير في الأداء الطبي والأخطاء الطبية عموما ليست مرتبطة بالفترة الصيفية وإنما تحدث في أي وقت من السنة، وسبب هذه الأخطاء لا يعود لقلة الأطباء إنما لعوامل أخرى عديدة، على غرار نقص العتاد ونقص التكوين وانعدام روح المسؤولية وانعدام التكامل في الأداء الطبي، منوها إلى أن عامل التكامل يعتبر عاملا أساسيا لنجاح الأداء الطبي لأنه يعتبر عملية مشتركة بين الأطباء والممرضين وسيارة الإسعاف، الأدوية والأعوان وغيرها، وعليه فإن الخطأ الطبي لا يقع على عاتق الطبيب فحسب. وأضاف بقاط بركاني، بأن الأطباء شأنهم شأن كل العمال من حقهم الاستفادة من العطل، إلا أن نظام التناوب ضروري وهو معمول به فعلا بالمستشفيات الجزائرية، فالمصلحة التي من المعتاد أن يتوفر بها 10 أطباء يخرج 5 منهم في عطلة ويبقى 5 آخرين، ومع وضع في الحسبان أن العمليات الجراحية تقل في فصل الصيف بسبب الحر، فإن الخدمات الطبية عموما تقل في هذه الفترة من السنة وتتناسب مع عطل الأطباء. وقد شدد رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين على أن رفع نوعية الخدمات الطبية في الجزائر، والحد من الأخطاء الطبية يحتاج إلى تكاثف الجهود وعلى جميع العاملين في القطاع الطبي أن يؤدوا عملهم ودورهم كما ينبغي على غرار الممرضين وباقي العمال.
الأمين العام لمنظمة الأخطاء الطبية: ظاهرة الإهمال الطبي تتفاقم في الفترة الصيفية أكد محي الدين أبو بكر، الأمين العام للمنظمة الوطنية لضحايا الأخطاء الطبية، في تصريح للحوار، أن ظاهرة الإهمال الطبي تتفاقم بالمستشفيات الجزائرية في الفترة الصيفية تزامنا مع عطل الأطباء، مشيرا إلى أن نظام المداومة ليس دوما ساري، مؤكدا أنه واحد من ضحايا الأخطاء الطبية التي وقعت صيفا، فبعد أن خضع لعملية جراحية في جوان 2005، تعرض لمضاعفات خطيرة لم تتجلى له إلا بعد شهر من إجرائها، ولما رجع ثانية لمستشفى مصطفى باشا الجامعي كان كل من رئيس المصلحة و الأستاذ المساعد في عطلة، ولم يتبق سوى الطبيب المناوب الذي لم يرض تحمل مسؤولية حالته وفضل إرساله إلى البيت وهو في حالة خطيرة، وبالتالي ظل يعاني منذ أواخر شهر جويلية حتى أواخر شهر أوت دون تكفل صحي ما جعل حالته تتفاقم، وعليه أكد محي الدين أن نظام المناوبة في العطل السنوية ليس معمول به فعليا وهناك نقص وتجاوزات كبيرة في هذه النقطة، حيث تؤجل مواعيد المرضى حتى شهري سبتمبر وأكتوبر، ويضطر المرضى إلى انتظار عودة الأطباء من العطل لاستكمال رحلتهم العلاجية. هذا، وقد أضاف الأمين العام للمنظمة الوطنية لضحايا الأخطاء الطبية، بأن قطاع الصحة مريض في كل مصالحه ويتعلق الأمر بالقطاعين العمومي والخاص، فكما تعيش المستشفيات العمومية حالة من الإهمال يعيش القطاع الخاص حالة من الفوضى ويسعى لتحقيق الربح المادي على حساب مصلحة المريض، ودعا المتحدث ذاته إلى ضرورة رقابة القطاع الخاص وسن قانون خاص به.