من الصعب على أي عاقل أن يقتنع أن تنظيم القاعدة (حمامة سلام) لكنه إذا قورن بوحش "داعش " تتضح الصورة أكثر وتبدو قريبة من المنطق..طبعا هذا ليس استنتاجا شخصيا إنما هو خلاصة كتاب الزميل الإعلامي يسري فودة الذي اختار له عنوانا عميقا هو (طريق الأذى).. والصراحة أن يسري فودة من الصحافيين الاستقصائيين القلائل بل النادرين في الإعلام العربي الذين اختاروا هذا الطريق الصعب والمميز وقد عرفه الجمهور العربي عبر برنامجه "سري للغاية " ذائع الصيت ..لكن ما قصة تلك الحمامة التي أكلها وحش داعش؟.. يبدأ الزميل يسري الرواية وأصل الحكاية من رحلته الشهيرة للقاء القيادي في"القاعدة" خالد شيخ محمد ورمزيبن الشيبة المنسق العام لهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد بالولايات..فودة وهو يصف لنا "طريق الأذى" الذي سلكه صحفي مغامر من أجل المعلومة اختار عنوانه بحذر وحيادية شديدين وينتقل بالقارئ بأسلوب سينمائي (من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش) والغريب أن جزئي الكتاب يحملان عنوانين ذا دلالة عجيبة فالأول هو (الطريق إلى القاعدة) الذي يبدو أنه انتهى أما الثاني فورد تحت عنوان (الطريق إلى المجهول) وهو الخاص بداعش التي تريد حمل المنطقة إلى المجهول وهي القادمة منه.. الكتاب ينصح بقراءته للصحفيين الاستقصائيين شريطة التزود بقلب أسد"! والعمل في مؤسسة قوية توفر لك التغطية اللازمة في جميع الجوانب ..وهو كما ذكرت آنفا يوثق بأسلوب يقترب من الرواية ما مرّ به خلال رحلته إلى كراتشي الباكستانية ويصف شيخ محمد بأنه "لم يكن رجل فكر ودين بل هو ضحل المعرفة بأمور السياسة والدين" .. وفي مسعاه إلى "فتح الأدمغة المدبرة" في "القاعدة"يقول فودة إن الناس وفقا لأدبيات هذا التنظيم "منقسمون إلى: مسلمين وكفار ومنافقين وحتى المسلمين أنفسهم ينقسمون إلى مهاجرين وأنصار ! ومن أطرف الأوصاف التي صادفتني في هذا الكتاب أن فودة ينعت القاعدة بأنها "شركة" رئيس مجلس إدارتها بن لادن(في ذلك الحين) وبن الشيبة هو "الموظف المخلص الذي يصل إلى مقر العمل قبل بقية الموظفين" وبنفس الأسلوب الشيق يصف فودة رحلة عبوره من سوريا إلى العراق متسللا وتحديدا إلى المنطقة الحاضنة لداعش حاليا بغرض جمع مادة عن الجيش الإسلامي في العراق.. من اللافت أن الكاتب تحدث عن حضوره لاجتماع حضره عدد من القادة الميدانيين الكبار في قاعة اجتماعات كأنها لشركة حديثة، لا في كهف معزول فأمام كل منهم جهاز كمبيوتر محمول …وأمامهم جميعا شاشة بلازما عليها خريطة حديثة لوسط بغداد".. واستطاع فودة أن يرصد أن "اللكنة البنلادنية" في هذا الاجتماع كانت مختلفة واحتوت مصطلحات مثل (الساعة زيرو مية) و(قطاعات العدو) وأن هذه المفردات من شأنها أن تؤكد تلك التخمينات أن عناصر من الجيش العراقي المسرّح ومن البعثيين ومن القوميين وهي علمانية القلب والروح لكنها علقت راية الدين على كل مكان وولدت الوحش الداعشي الذي أكل "حمامة" القاعدة !!